للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يوافق ما حكيناه عن قتادة: «أتاك من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك».

وهذا القول أعمُّ فائدةً، ولا يناقض ما قاله السلف؛ فإن ذلك على جهة التمثيل لا التعيين.

قال شقيق (١): «ما من صباحٍ إلا قعد لي الشيطان على أربعة مراصد: من بين يديَّ، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فيقول: لا تَخف فإن الله غفور رحيم، فأقرأ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: ٨٢]، وأما من خلفي فيُخوِّفني الضيْعة على من أُخلّفه، فأقرأ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦]، ومن قِبَل يميني، يأتيني من قِبَل الثَّناء، فأقرأ: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: ١٢٨]، ومن قبل شمالي، فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: ٥٤]».

قلت: السُّبُل التي يسلكها الإنسان أربعة لا غير: فإنه تارة يأخذ على جهة يمينه، وتارة على شماله، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه، فأيَّ سبيل سلكها من هذه وجد الشيطان عليها رصدًا له، فإن سلكها في طاعة وجده عليها يُثبّطه عنها ويقطعه، أو يُعوِّقه ويُبطّئه، وإن سلكها لمعصية وجده عليها حاملاً له، وحاديًا، ومعينًا، وممنّيًا، ولو اتفق له الهبوط إلى أسفل لأتاه من هناك.


(١) انظر: تفسير الثعلبي (٤/ ٢٢٢)، والكشاف (٢/ ٨٩ - ٩٠)، وشرح نهج البلاغة (١٦/ ١٧٨)، وتفسير النسفي (٢/ ٦). وشقيق هذا هو شقيق بن إبراهيم البلخي الزاهد، توفي سنة ١٩٤ هـ، له ترجمة في حلية الأولياء (٨/ ٥٨ - ٧٣)، وتاريخ دمشق (٢٣/ ١٣١ - ١٤٥)، وسير أعلام النبلاء (٩/ ٣١٣ - ٣١٦)، ولسان الميزان (٣/ ١٥١).