وقصّر بقوم حتى قالوا: لم يتكلم الرب سبحانه بكلمة واحدة البتة، وتجاوز بآخرين حتى قالوا: لم يزل أزلاً وأبدًا يقول: {يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: ٧٥]، ويقول لموسى:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ}[النازعات: ١٧]؛ فلا يزال هذا الخطاب قائمًا به ومسموعًا منه، كقيام صفة الحياة به.
وقصّر بقوم حتى قالوا: إن الله سبحانه لا يُشَفِّع أحدًا في أحد البتة، ولا يرحم أحدًا بشفاعة أحدٍ، وتجاوز بآخرين حتى زعموا أن المخلوق يشفع عنده [٣٥ ب] بغير إذنه، كما يشفع ذو الجاه عند الملوك ونحوهم.
وقصّر بقوم حتى قالوا: إيمان أفسق الناس وأظلمهم كإيمان جبريل وميكائيل، فضلاً عن أبى بكر وعمر، وتجاوز بآخرين حتى أخرجوا من الإسلام بالكبيرة الواحدة.
وقصّر بقوم حتى نَفَوا حقائق أسماء الرب تعالى وصفاته وعطّلوه منها، وتجاوز بآخرين حتى شبَّهوه بخلقه ومَثّلوه بهم.
وقصّر بقوم حتى عادَوا أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقاتلوهم، واستحلُّوا من حرمتهم، وتجاوز بقوم حتى ادَّعَوا فيهم خصائص النبوة من العصمة وغيرها، وربما ادعوا فيهم الإلهية.
كذا قصّر باليهود في المسيح حتى كذَّبوه، ورمَوه وأمَّه بما برأهما الله منه، وتجاوز بالنصارى حتى جعلوه ابن الله، وجعلوه إلهًا يُعبَد مع الله.
وقصّر بقوم حتى نَفَوا الأسباب والقُوى والطبائع والغرائز، وتجاوز بآخرين حتى جعلوها أمرًا لازمًا لا يمكن تغييره ولا تبديله، وربما جعلها بعضهم مستقلة بالتأثير.