وليس في الشريعة نظير ذلك، بل ليس فيها وقف الأحكام، بل الفصل وقطع الخصومات بأقرب الطرق، فإذا ضاقت الطرق، ولم يَبْقَ إلا القرعة، تعينت طريقًا، كما عينها الشارع في عدة قضايا، حيث لم يكن هناك غيرها، ولم يوقف الأمر إلى وقت الانكشاف؛ فإنه إذا علم أنه لا سبيل له إلا انكشاف الحال، كان إيقاف الأمر إلى آخر العمر مِنْ أعظم المفاسد التي لا تأتي بها الشريعة.
وغاية ما يقدّر أن القرعة تصيب التي لم يقع عليها الطلاق وتخطئ المطلقة، وهذا لا يضرها هاهنا؛ فإنه لما جُهِل كونها هي التي وقع عليها الطلاق صار المجهولُ كالمعدوم، وكل ما يقدّر من المفسدة في ذلك فمثلها في العتق سواءً، وقد دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة الصريحة على إخراج المعتق من غيره بالقرعة (١).
وقد نص أحمد على حِلّ البُضْع بالقرعة. فقال في رواية ابن منصور وحنبل:«إذا زوّجها الوليان من رجلين، ولم يُعلم السابق منهما؛ أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حُكم أنه الأول».
فإذا قويت القرعة [٤٩ أ] على تعيين الزوج في حِلِّ البُضع له، فلأن تقوى على تعيين المطلقة في تحريم بُضْعها عنه أولى؛ فإن الطلاق مبنيٌّ على التغليب والسّراية، وهو أسرع نفوذًا وثبوتًا من النكاح من وجوه كثيرة.
وقول الشيخ أبي محمد قدس الله روحه: إنه اشتبهت عليه زوجته بأجنبية، فلم تحلَّ له إحداهما بالقرعة، كما لو اشتبهت بأجنبية لم يكن عليها عَقْدٌ.
(١) كما في حديث عمران بن حصين الذي أخرجه مسلم (١٦٦٨).