للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سبحانه في سيدة آي القرآن آية الكرسي: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]، وقال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: ٤٤].

فأخبر أن حال ملكه للسموات والأرض يوجب أن تكون الشفاعة كلها له وحده، وأن أحدًا لا يشفع عنده إلا بإذنه، فإنه ليس بشريك، بل مملوك محض، بخلاف شفاعة أهل الدنيا بعضهم عند بعض.

فتبين أن الشفاعة التي نفاها الله سبحانه في القرآن هي هذه الشفاعة الشركية التي يعرفها الناس، ويفعلها بعضهم مع بعض، ولهذا يُطلق نفيها تارة بناءً على أنها هي المعروفة المتعاهدة (١) عند الناس، ويُقيِّدُها تارة بأنها لا تنفع إلا بعد إذنه، وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه؛ فإنه الذي أَذِنَ، والذي قَبِل، والذي رضي عن المشفوع، والذي وفّقه لفعل ما يستحق به الشفاعة وقوله.

فمتخذ الشفيع مشركٌ لا تنفعه شفاعته، ولا يُشَفَّع فيه، ومتخذُ الرب وحده إلهه ومعبوده، ومحبوبه، ومرجُوَّه، ومخوفه، الذي يتقرب إليه وحده، ويطلب رضاه، ويتباعد من سَخَطه: هو الذي يأذن الله سبحانه للشفيع أن يشفع فيه.

قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} إلى قوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: ٤٣، ٤٤]، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ


(١) ح: «المشاهدة».