فبين سبحانه أن المتخذين شفعاءَ مشركون، وأن الشفاعة لا تحصل باتخاذهم هم، وإنما تحصل بإذنه للشافع، ورضاه عن المشفوع له.
وسر الفرق بين الشفاعتين: أن شفاعة المخلوق للمخلوق، وسؤاله للمشفوع عنده، لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده، لا خَلْقًا ولا أمرًا ولا إذنًا، بل هو سبب مُحَرِّكٌ له من خارج، كسائر الأسباب التي تُحرّك الأسباب، وهذا السبب المحرك قد يكون عند المتحرك لأجله ما يوافقه، كمن شُفِع عنده في أمر يُحبه ويرضاه، وقد يكون عنده ما يُخالفه، كمن يُشْفَعُ إليه في أمر يكرهه، ثم قد يكون سؤاله وشفاعتُه أقوَى من المعارض، فيقبل شفاعة الشافع، وقد يكون المعارض الذي عنده أقوى من شفاعة الشافع، فيردها ولا يقبلها، وقد يتعارض عنده الأمران، فيبقى مترددًا بين ذلك المعارض الذي يوجب الرد، وبين الشفاعة التي تقتضي القبول، فيتوقف إلى أن يترجح عنده أحدُ الأمرين بمرجِّح.
فشفاعة الإنسان عند المخلوق مِثْلِه هي سعيٌ في سبب منفصل عن المشفوع إليه، يُحرِّكه به، ولو على كُرْهٍ منه، فمنزلة الشفاعة [٦٣ ب] عنده منزلة من يأمر غيره أو يُكْرِهه على الفعل، إما بقوةٍ وسلطان، وإما بما يرغِّبه، فلا بد أن يحصل للمشفوع إليه من الشافع: إما رغبة ينتفع بها، وإما رهبة منه تندفع عنه بشفاعته.
وهذا بخلاف الشفاعة عند الرب سبحانه؛ فإنه ما لم يخلق شفاعة الشافع، ويأذن له فيها، ويحبها منه، ويَرْضَ عن الشافع، لم يمكن أن توجد،