محمد بن على بن عبد الله بن حمدان المعروف بحمدان الوَرَّاق، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا سلّام بن مسكين، فذكر الحديث.
فمداره على هذا الشيخ المجهول، وفي رفعه نظر، والموقوف أصح.
فإن قيل: فما وجه إنباتِه للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي؟
قيل: هذا من أدلِّ شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها، ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها، وأنهم هم أطباء القلوب، دون المنحرفين عن طريقتهم، الذين داوَوا أمراض القلوب بأعظم أدوائها، فكانوا كالمداوي من السّقم بالسُّم القاتل، وهكذا والله فعلوا بكثير من الأدوية التي ركَّبوها، أو بأكثرها، فاتفق قِلّةُ الأطباء، وكثرة المرضى، وحدوث أمراض مُزمنةٍ لم تكن في السلف، والعدولُ عن الدواء النافع الذي ركّبه الشارع، وميل المريض إلى ما يقوِّي مادة المرض، فاشتد البلاء، وتفاقم الأمر، وامتلأت الدور والطرقات والأسواق من المرضى، وقام كل جهول يَطُبُّ الناس.
فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء.
فمن خواصِّه: أنه يُلهي القلب ويصدُّه عن فهم القرآن وتدبُّره، والعمل بما فيه؛ فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا؛ لما بينهما من التضادّ؛ فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعِفَّة، ومُجانبة شهوات النفوس وأسباب الغيّ، وينهى عن اتباع خُطُوات الشيطان. والغناء يأمر بضد ذلك كلِّه، ويُحسِّنه، ويُهيِّج النفوس إلى شهوات الغيِّ، فيُثِير كامِنَها، ويُزعجُ قاطنها، ويُحرِّكها إلى كل [٧١ أ] قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمرُ رضيعا لبانٍ، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صِنوُ