فإن قيل: فهذا الحديث فيه مجهول، وهو بعض بني أبي رافع، والمجهول لا تقوم به حجة.
فالجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الإمام أحمد قد قال في «المسند»(١): حدثنا سعد بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني داود بن الحُصين، عن عِكْرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: طلّق رُكانةُ بن عبد يزيد أخو المُطّلب امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزنَ عليها حُزنًا شديدًا، فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف طلّقتها؟» قال: طلّقتُها ثلاثًا، قال:«في مجلس واحد؟» قال: نعم، قال:«فإنما تلك واحدة؛ فارْجِعْها إن شئت»، قال: فراجعها.
قال: وكان ابن عباس يرى أن الطلاق عند كل طُهْر.
(١) مسند أحمد (١/ ٢٦٥)، ورواه أيضًا أبو يعلى (٢٥٠٠) والبيهقي في الكبرى (٧/ ٣٣٩) وغيرهما من طرق عن ابن إسحاق به، وأُعلّ بداود بن الحصين فإنّه ثقة إلا في عكرمة، واختُلِف في صفة طلاق ركانة، فقال البيهقي: «هذا الإسناد لا تقوم به الحجة، مع ثمانية رووا عن ابن عباس رضي الله عنهما فتياه بخلاف ذلك، ومع رواية أولاد ركانة أنّ طلاق ركانة كان واحدة»، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٦/ ٩): «هذا حديث منكر خطأ، وإنما طلق ركانة زوجته البتة»، وقال القرطبي في تفسيره (٣/ ١٣١): «الذي صحّ من حديث ركانة أنه طلق امرأته البتة لا ثلاثًا»، وضعّف الحديث الإمام أحمد كما في معالم السنن (٣/ ٢٣٦)، وقال البخاري: مضطرب، كما في سنن الترمذي (٣/ ٤٨٠)، وضعَّفه ابن الجوزي في العلل المتناهية (١٠٥٩)، وجوّد إسناده ابن تيمية كما في المجموع (٣٢/ ٣١٢، ٣٣/ ٦٧، ٧١، ٧٣، ٨٥)، وصحّحه المصنف في الزاد (٥/ ٢٦٣)، ونقل فيما يأتي تصحيحَ أبي الحسن اللخمي، وحسنه بمجموع طريقيه الألباني في الإرواء (٧/ ١٤٥).