وأما القياس: فإن الله سبحانه قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[النور: ٦]، ثم قال:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}[النور: ٨].
فلو قال: أشهد بالله أربع شهادات أنِّي صادق، أو قالت: أشهدُ بالله أربع شهاداتٍ أنه كاذبٌ كانت شهادةً واحدةً، ولم تكن أربعًا؛ فكيف يكون قوله: أنت طالقٌ ثلاثًا ثلاث تطليقاتٍ؟ وأيُّ قياسٍ أصحُّ من هذا؟
وهكذا كل ما يعتبر فيه العدد من الإقرار ونحوه. ولهذا لو قال المقرّ بالزنى: إني أقرّ بالزنى أربع مرات؛ كان ذلك مرةً واحدة، وقد قال الصحابة لماعزٍ: إن أقررت أربعًا رجمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو قال: أُقِرُّ به أربع مرات كانت مرة واحدة، فهكذا الطلاق سواءً.
فهذا القياس، وتلك الآثار، وذاك ظاهر القرآن.
وأما أقوال الصحابة: فيكفي كون ذلك على عهد الصديق، ومعه جميع الصحابة، لم يختلف عليه منهم أحد، ولا حُكي في زمانه القولان، حتى قال بعض أهل العلم: إن ذلك إجماع قديم؛ وإنما حدثَ الخلافُ في زمن عمر رضي الله عنه، واستمر الخلاف في المسألة إلى وقتنا هذا، كما سنذكره.
قالوا: فقد صحَّ بلا شك أنهم كانوا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر مُدّة خلافته كلها، وصَدْرًا من خلافة عمر رضي الله عنهما: يوقعون على من طلق ثلاثًا واحدة.
قالوا: فنحن أحقّ بدعوى الإجماع منكم؛ لأنه لا يُعرف في عهد الصِّدِّيق أحدٌ رد ذلك ولا خالفه، فإن كان إجماعٌ فهو من جانبنا أظهرُ ممن