للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وغير جائز أن يُظَنّ بابن عباس أنه يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، ثم يُفْتِي بخلافه، فلما لم يجز ذلك دَلّ فُتْيا ابن عباس رضي الله عنه على أن ذلك لم يكن عن علم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أمره؛ إذ لو كان ذلك عن علم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما اسْتَحَلَّ ابنُ عباس أن يفتيَ بخلافه، أو يكون ذلك منسوخًا، استدلالًا بفُتيا ابن عباس.

وهذا المسلك ضعيف جدًّا لوجوه:

أحدها: أن حديث عِكرمة عن ابن عباس ــ في رد النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة رُكانة عليه بعد الطلاق الثلاث ــ يُبطل هذا التأويل رأسًا.

الثاني: أن هذا لو كان صحيحًا لقال ابن عباس لأبي الصهباء: ما أدري أبَلَغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يبلغه؟ فلما أقرّه على ذلك إقرارَ راوٍ لذلك: عُلم أنه مما بلغه (١).

الثالث: أنه لو كان ذلك صحيحًا لم يقل عمرُ: إن الناس قد استعجلوا في شيء (٢) كانت لهم فيه أناة، بل كان الواجب أن يبين أن السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خلاف ذلك، وأن هذا العمل من الناس خلافُ دين الإسلام وشرع محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقول: فلو أنا أمضيناه عليهم! فإن هذا إنما يكون إمضاءً من الله تعالى ورسوله، لا من عمر.

الرابع: أنه من الممتنع أو المستحيل أن يكون خيارُ الخلق يُطَلِّقُون في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعَهْد خليفته من بعده ويُراجعون، على خلاف دينه،


(١) ح: «فلما أقره على ذلك كان إقراره دليلًا على أنه مما بلغه».
(٢) في بعض النسخ: «أمر».