للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلاف الحديث لم يُحتجّ به، واتُّبع عمل الصحابي.

والمشهور عنه أن العبرة بما رواه الصحابي لا بقوله، إذا خالف الحديث. ولهذا أخذ برواية ابن عباس في حديث بريرة (١)، وأن بَيْعَ الأمَة لا يكون طلاقًا لها؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَيّرها، ولو انفسخ النكاح ببيعها لم يُخيّرها، مع أن مذهب ابن عباس أن بيع الأمة طلاقها، واحتج بظاهر القرآن، وهو قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤]، فأباح وَطْءَ مملوكته المزوَّجة، ولو كان النكاح باقيًا لم ينفسخ لم يُبَحْ له وطؤها. والجمهور وأحمد معهم خالفوه في ذلك، وقالوا: لا يكون بيعها طلاقًا، واحتجوا بحديث بَرِيرة، وتركوا رأيه لروايته؛ فإن روايته معصومة، ورأيه غير معصوم.

والمشهور من مذهب الشافعي أن الأخذ بروايته دون رأيه، والمشهور من مذهب أبي حنيفة عكس ذلك، وعن أحمد روايتان.

فهذا المسلك في رد الحديث لا يقْوى.

وسلك آخرون في رد الحديث مسلكًا آخر؛ فقالوا: هو حديث مضطرب لا يصح، ولذلك أعرض عنه البخاري، وترجم في «صحيحه» (٢) على خلافه، فقال: «باب جواز الطلاق الثلاث في كلمة، لقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}»، ثم ذكر حديث اللّعان، وفيه: فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يغير عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يقرّ على باطل.


(١) أخرجه البخاري (٥٢٧٩)، ومسلم (١٥٠٤) عن عائشة.
(٢) انظر: الصحيح مع الفتح (٩/ ٣٦١).