قالوا: ووجه اضطرابه: أنه تارة يُروَى: عن طاوس، عن ابن عباس، وتارةً: عن طاوس، عن أبي الصهباء، عن ابن عباس، وتارة: عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، فهذا اضطرابه من جهة السند.
وأما المتن: فإن أبا الصهباء تارة يقول: ألم تعلم أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها؛ جعلوها واحدة؟ وتارة يقول: ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر واحدة؟ فهذا يخالف اللفظ الآخر.
وهذا المسلك من أضعف المسالك، وردُّ الحديث به ضَرْبٌ من التّعَنُّتِ. ولا يُعرف أحد من الحفاظ قَدحَ في هذا الحديث ولا ضَعّفه، والإمام أحمد لما قيل له: بأي شيء ترده؟ قال: برواية الناس عن ابن عباس خلافه، ولم يردّه بتضعيف ولا قدح في صحته، وكيف يتهيّأ القدحُ في صحته؛ ورواتُه كلهم أئمة حفاظ؟ حَدّث به عبد الرزاق وغيره عن ابن جُريج بصيغة الإخبار، وحَدّث به كذلك ابن جُريج عن ابن طاوس، وحدث به ابن طاوس عن أبيه، وهذا إسناد لا مطعن فيه لطاعن، وطاوس من أخص أصحاب ابن عباس، ومذهبه أن الثلاث واحدة.
وقد رواه حَمّاد بن زيد، عن أيوب، عن غير واحد، عن طاووس، فلم ينفرد به عبد الرزاق، ولا ابن جُريج، ولا عبد الله بن طاوس، فالحديث من أصح الأحاديث.
وتَرْكُ رواية البخاري له لا يوهِنه، وله حكم أمثاله من الأحاديث الصحيحة التي تركها البخاري لئلّا يطوِّل كتابه؛ فإنه سمّاه:«الجامع المختصر الصحيح ... »، ومثل هذا العذر لا يقبله من له حظٌّ من العلم.