للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالآية من وجوه:

أحدها: أنه سبحانه وتعالى إنما شرع أن يطلّق لعدتها، أي: لاستقبال عِدّتها، فيطلق طلاقًا يعقبه شروعها في العدة، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته في حَيْضها أن يراجعها (١)، وتلا هذه الآية تفسيرًا للمراد بها، وأن المراد بها الطلاقُ في قُبُل العِدّة، وكذلك كان يقرؤها عبد الله بن عمر.

ولهذا قال كل من قال بتحريم جمع الثلاث: إنه لا يجوز له أن يُرْدِف الطلقة بأخرى في ذلك الطّهر، لأنه غير مطلق للعِدّة؛ فإن العدة قد استُقْبِلت من حين الطلقة الأولى، فلا تكون الثانية للعدة.

ثم قال الإمام أحمد في ظاهر مذهبه ومن وافقه: إذا أراد أن يطلقها ثانيةً طلَّقها بعد عقدٍ أو رَجْعةٍ؛ لأن العدة تنقطع بذلك، فإذا طلقّها بعد ذلك أخرى طلقها للعدة.

وقال في رواية أخرى عنه: له أن يطلقها الثانية في الطّهر الثاني، ويطلقها الثالثة في الطهر الثالث، وهو قول أبي حنيفة. فيكون مطلقًا للعدة أيضًا؛ لأنها تَبْتَني على ما مضى.

والصحيح هو الأول، وأنه ليس له أن يُردف الطلاق قبل الرّجعة

أو العقد؛ لأن الطلاق البائن لم يكن لاستقبال العدة، بل هو طلاق لغير العدّة، فلا يكون مأذونًا فيه؛ فإن العدة إنما تُحسب من الطلقة الأولى؛ لأنه طلاق للعدة، بخلاف الثانية والثالثة.


(١) تقدم تخريجه.