للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن جعله مشروعًا قال: هو الطلاق لتمام العدة، والطلاق لتمامها كالطلاق لاستقبالها، وكلاهما طلاق للعدة.

وأصحاب القول الأول يقولون: المراد بالطلاق للعدة الطلاق لاستقبالها، كما في القراءة الأخرى التي تفسِّر القراءة المشهورة: (فَطَلِّقوهُنَّ في قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ).

قالوا: فإذا لم يُشرع إرْداف الطلاق للطلاق قبل الرجعة أو العقد، فأنْ لا يُشرع جمعُه معه أولى وأحْرى؛ فإن إرداف الطلاق أسهل من جمعه، ولهذا يُسَوِّغ الإرداف في الأطهار مَن لا يُجوِّز الجمعَ في الطهر الواحد.

وقد احتج عبد الله بن عباس على تحريم جمع الثلاث بهذه الآية. قال مجاهد (١): كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل، فقال: إنه طلّق امرأته ثلاثًا، فسكت حتى ظننتُ أنه رَادُّها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأُحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس؟ وإن الله عز وجل قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢]، فما أجد لك مخرجًا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، وإن الله عز وجل قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} في قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ.

وهذا حديث صحيح. فَفَهِمَ ابن عباس من الآية أن جمع الثلاث محرمٌ، وهذا فَهْمُ مَنْ دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُفَقِّهه الله في الدين، ويُعَلِّمه التأويل (٢)، وهو من أحسن الفهوم كما تقرر.


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) كما في الحديث الذي أخرجه أحمد (١/ ٢٦٦، ٣١٤، ٣٢٨، ٣٣٥) وابن حبان (٧٠٥٥) وغيرهما، وهو حديث صحيح.