بطلقتين قبله، وقد احتجّ ابن عباسٍ على تحريم جمع الثلاث بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} في قُبُل عِدَتِهِنّ، كما تقدم؛ وهذا حق؛ فإن الآية إذا دلت على منع إرداف الطلاق في طُهر أو أطهار قبل رجعة أو عقد كما تقدم؛ لأنه يكون مُطلقًا في غير قُبُل العدّة= فلأن تدُلَّ على تحريم الجمع أولى وأحرى.
قالوا: والله سبحانه شرع الطلاق على أيسر الوجوه وأرْفَقها بالزوج والزوجة؛ لئلا يتسارع العبد في وقوعه، ومفارقة حبيبه، ومدَّ له وقتَ العدة أجلًا؛ لاستدراك الفارط بالرجعة.
فلم يُبِحْ له أن يُطلق المرأة في حال حيضها؛ لأنه وقت نُفرته عنها، وعدم قدرته على استمتاعه بها، ولا عَقِيبَ جماعها، لأنه قد قَضى غرضه منها، وربَّما فَتَرت رغبته فيها، وزهد في إمساكها لقضاء وطره، فإذا طلقها في هاتين الحالتين ربما يندم فيما بعد هذا، مع ما في الطلاق في الحيض من تطويل العدة، وعَقِيبَ الجماع من طلاق مَن لعلها قد اشتمل رَحِمُها على ولدٍ منه، فلا يريد فراقها.
فأما إذا حاضت ثم طهرت فنفسه تتوق إليها؛ لطول عهده بجماعها، فلا يُقْدِمُ على طلاقها في هذه الحال إلا لحاجته إليه، فلم يُبحْ له الشارع أن يطلِّقها إلا في هذه الحال، أو في حال استبانة حملها؛ لأن إقدامه أيضًا على طلاقها في هذه الحال دليلٌ على حاجته إلى الطلاق.
وقد أكَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا بمنعه لعبد الله بن عمر أن يطلق في الطُّهر الذي يلي الحيضة التي طلّق فيها، بل أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن بدا له أن يُطلِّقها فلْيُطَلِّقها، وفى ذلك عدة حكَم: