وكذلك الحيل نوعان: نوع يُتَوَصَّل به إلى فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه والتخلُّص من الحرام، وتخليص الحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي. فهذا النوع محمودٌ يُثاب فاعله ومُعَلِّمه.
ونوع يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرّمات، وقلب المظلوم ظالمًا والظالم مظلومًا، والحق باطلًا والباطل حقًا. فهذا النوع الذي اتفق السلف على ذمّه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: لا يجوز شيءٌ من الحيل في إبطال حق مسلم.
وقال الميموني: قلت لأبى عبد الله: من حلف على اليمين ثم احتال لإبطالها، فهل تجوز تلك الحيلة؟ قال: نحن لا نرى الحيلة إلا بما يجوز، قلت: أليس حيلتنا فيها أن نَتَّبع ما قالوا، وإذا وجدنا لهم قولًا في شيء اتَّبعناه؟ قال: بلى، هكذا هو، قلت: أوَليس هذا منا نحن حيلةً؟ قال: نعم.
فبيّن الإمام أحمد: أن مَن اتبع ما شُرع له وجاء عن السلف في معاني الأسماء التي عُلّقت بها الأحكام، ليس بمحتالٍ الحيل المذمومة، وإن سُميت حيلة، فليس الكلام فيها.
وغرضُ الإمام أحمد بهذا: الفرقُ بين سلوك الطريق المشروعة التي شُرعت لحصول مقصود الشارع، وبين الطريق التي تُسلك لإبطال مقصوده.
فهذا هو سِرّ الفرق بين النوعين، وكلامنا الآن في النوع الثاني.