للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال شيخنا (١) رحمه الله: فالدليل على تحريم هذا النوع وإبطاله من وجوه:

الوجه الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ٨، ٩]، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢]، وقال في أهل العهد: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال: ٦٢]، فأخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء المخادعين مخدوعون وهم لا يشعرون، وأن الله تعالى خادعُ مَنْ خدعه، وأنه يكفي المخدوع شَرَّ مَنْ خدعه.

والمخادعة هي الاحتيال والمراوغة، بإظهار الخير مع إبطان خلافه، لتحصيل مقصود المخادع، وهذا موافق لاشتقاق اللفظ في اللغة، فإنهم يقولون: طريق خَيْدَع، إذا كان مخالفًا للقصد لا يُشعَر به، ولا يُفطن له، ويقال للسراب: الخيدع، لأنه يَغُرّ من يراه، وضَبٌّ خَدِع أي: مراوغ، كما قالوا: أخْدَعُ من ضَبٍّ، ومنه: «الحرْب خَدْعة» (٢)، وسوق خادعةٌ أي: متلونة، وأصله: الإخفاءُ والسَّتر، ومنه سميت الخِزانة مُخْدَعًا.

فلما كان القائل: «آمنت» مُظهرًا لهذه الكلمة، غير مريد حقيقتها المطلوبة شرعًا، بل مريدًا لحكمها وثمرتها فقط مُخادعًا= كان المتكلم بلفظ بعْتُ، واشتريت، وطلقت، ونكحت، وخالعت، وآجرت، وساقيت،


(١) في بيان الدليل على إبطال التحليل (ص ٢٩ وما بعدها).
(٢) أخرجه البخاري (٣٠٣٠)، ومسلم (١٧٣٩) عن جابر.