للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيان الأول: أن الله تعالى ذَمّ المنافقين بالمخادعة، وأخبر أنه خادِعُهم، وخَدْعُه للعبد عقوبةٌ تَستَلْزِمُ فِعْلَهُ للمُحَرَّم.

وبيان الثاني: أن ابن عباس وأنسًا وغيرهما من الصحابة والتابعين أفتوا: أن التحليل ونحوه من الحيل مخادعةٌ لله تعالى، وهم أعلمُ بكتاب الله تعالى.

الثاني (١): أن المخادعة إظهار شيء من الخير وإبطان خلافه، كما تقدم.

الثالث: أن المنافق لما أظهر الإسلام ومرادُه غيره: سُمِّي مخادعًا لله تعالى، وكذلك المرائي؛ فإن النفاق والرِّياء من باب واحد، فإذا كان هذا الذي أظهر قولًا غير مُعتقدٍ ولا مُريدٍ لما يُفهم منه، وهذا الذي أظهر فعلًا غير معتقد ولا مريد لما شرع له: مخادعًا، فالمحتال لا يخرج عن أحد القسمين: إما إظهار فعل لغير مقصوده الذي شُرع له، أو إظهار قول لغير مقصوده الذي شُرع له، وإذا كان مشاركًا لهما في المعنى الذي به سُمِّيا مخادعين وجب أن يَشْركهما في اسم الخِداع، وعُلم أن الخداع اسمٌ لعموم الحيل، لا لخصوص هذا النفاق.

الوجه الثاني (٢): أن الله سبحانه ذمّ المستهزئين بآياته، والمتكلم بالأقوال التي جعل الشارع لها حقائق ومقاصد، مثل كلمة الإيمان، وكلمة الله تعالى التي يستحل بها الفروج، ومثل العهود والمواثيق التي بين المتعاقدين، وهو لا يريد بها حقائقها المقوِّمة لها، ولا مقاصدها التي جُعلت هذه الألفاظ محصِّلة لها، بل يريد أن يراجع المرأة ليضرّها ويُسيء عشرتَها،


(١) «الأول» سبق ذكره بعد قوله: «بيان الثاني».
(٢) هذا الوجه الثاني من الوجوه الدالة على تحريم الحيل، والوجه الأول سبق ذكره في (ص ٥٨٣).