ولهذا والله أعلم مُسخوا قردةً؛ لأن صورة القرد فيها شَبَهٌ من صورة الإنسان، وفى بعض ما يُذكر من أوصافه شبه منه، وهو مخالف له في الحدّ والحقيقة، فلمّا مُسخ أولئك المعتدون دين الله تعالى، بحيث لم يتمسَّكوا إلا بما يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته، مسخهم الله تعالى قردةً يشبهونهم في بعض ظواهرهم دون الحقيقة، جزاء وفاقًا.
يوضِّحه:
الوجه السابع: أن بني إسرائيل كانوا أكلوا الربا وأموال الناس بالباطل، كما قصّه الله تعالى في كتابه، وذلك أعظم من أكْلِ الصيد المحرّم في يوم بِعَيْنهِ، ولذلك كان الربا والظلم حرامًا في شريعتنا، والصيدُ يوم السبت غير مُحرم فيها، ثم إن أَكَلَةَ الربا وأموال الناس بالباطل لم يُعاقَبوا بالمسْخ، كما عُوقِب به مُسْتَحِلُّو الحرام بالحِيلة، وإن كانوا عُوقبوا بجنسٍ آخر، كعقوبات أمثالهم من العُصاة.
فيُشبه والله أعلم أن هؤلاء لما كانوا أعظم جُرْمًا، إذ هم بمنزلة المنافقين، ولا يعترفون بالذنب، بل قد فَسدَت عقيدتهم وأعمالهم، كانت عقوبتهم أغلظ من عقوبة غيرهم؛ فإن من أكل الربا والصيد المحرَّم عالمًا بأنه حرام فقد اقترن بمعصيته اعترافُه بالتحريم، وهو إيمان بالله تعالى وآياته، ويترتب على ذلك مِن خَشْيَة الله تعالى، ورَجاء مَغْفِرته، وإمكان التوبة، ما قد يُفْضِي به إلى خيرٍ ورحمة. ومَنْ أكله مُسْتحلًّا له بنوع احتيال تأوّلَ فيه فهو مُصِرٌّ على الحرام، وقد اقترن به اعتقاده الفاسد في حِلِّ الحرام، وذلك قد يُفضي به إلى شَرٍّ طويل.