وكل هذا ضدّ ما قصده الشارع من النكاح من الأُلفة والمودة والمعاشرة بالمعروف؛ فإن هذه المعاشرة من أنكر المعاشرة، وأبعدها من المعروف.
ثم من العجب: أنها إذا ادّعت الكُسوة والنفقة لمدة مُقامها عنده، فقال الزوج للحاكم: سَلْها من أين كانت تأكل وتشرب وتلبس؟ فيقول الحاكم: لا يلزمها ذلك.
فيا لله العجبُ! إذا كانت غير معروفة بالدخول والخروج، ولا يمكِّن الزوج أحدًا يدخل عليها، وهي في منزله عدد سنين، تأكل، وتشرب، وتلبس، كيف لا يسألها الحاكم: مَنِ الذي كان يقوم لك بذلك؟ ومتى سأله الزوج سؤالها وجب عليه ذلك، فمتى تَركَهُ كان تاركًا للحق.
فإن سَمّت أجنبيًّا غير الزوج؛ كَلّفها الحاكم البينة على ذلك، وإن قالت: أنا الذي كنت أُطعِمُ نفسي وأكسوها في هذه المدة كلها كان كذبها معلومًا، ولم يُقْبَل قولها، فإن النفقة والكسوة واجبان على الزوج، وهي تدعي أنها هي التي قامت عنه بهذا الواجب وأدّته مِنْ مالها، وهو يدعي أنه هو الذي فعل [١٠١ ب] هذا الواجب، وقام به، وأسقطه عن نفسه، ومعه الظاهر والأصل.
أما الظاهر: فلا يمكن عاقلًا أن يكابر فيه، بل هو ظاهر ظهورًا قريبًا من القطع، بل يُقطع به في حق أكثر الناس.
وأما الأصل: فهو أيضًا من جانب الزوج؛ فإنهما قد اتّفقا على القيام بواجب حَقّها، وهي تضيف ذلك إلى نفسها، أو إلى أجنبي، وهو يدعى أنه هو الذي قام بهذا الواجب، فقد اتفقا على وصول النفقة والكسوة إليها، وهي تقول: كان ذلك بطريق البدل والنيابة عنك، وهو يقول: لم يكن بطريق النيابة، بل بطريق الأصالة.