وهذا بخلاف ما إذا لم يُعلم وصولُ الحق إلى مستحقه كالديون والأعيان المضمونة؛ فإن قبول قول المنكر متوجِّه، ومعه الأصل.
ونظيره: أن يعترف بقضاء الدّين ووصوله إليه، ثم ينكر أن يكون وصل إليه من جهة مَنْ عليه الدين، فيقول: وصل إليّ الدين الذي لي، لكن ليس من جهتك، بل غيرك أدّاه عنك، فهل يَقبل قوله هاهنا أحد، ويقال: الأصل بقاءُ الدين في ذمّته؟
وهذا نظير مسألة الإنفاق سواءً بسواء؛ فإنها مُقِرَّة بوصول النفقة إليها، ولو أنكرتها لكَذّبها الحسّ، ومُدَّعية أن وصول ذلك إليّ لم يكن من جهتك، فدعواها تخالف الأصل والظاهر جميعًا، ولهذا لا يَقْبَلها مالك، وفقهاء أهل المدينة، وقولهم هو الصواب والحقُّ الذي نَدين الله به، ولا نعتقد سواه.
وأيّ قبيح أعظم من دعوى امرأةٍ على الزوج تَرْكَ النفقة والكسوة ستين سنةً أو أكثر، وهي لا تدخل ولا تخرج، ولا يمكنها تعيش عيش الملائكة، فيُطالَب الزوجُ بنفقة جميع المدة التي ادعت ترك الإنفاق فيها، وقد تستغرق جميع ماله وداره وثيابه ودوابّه، فيؤخذ ذلك كله منه، ويُحبَس على الباقي، ويُجعل دينًا مستقرًّا في ذمته، تطالبه به متى شاءت، وهي تعلم كذب دعواها، ووليّها يعلم ذلك، وجيرانها، والله، وملائكته، والذي يساعدها ويخاصم عنها؟
ولمَّا علم فقهاءُ العراق كأبي حنيفة وأصحابه ما في ذلك من الشر والفساد والضرر الذي لا تأتى به شريعة، أسقطوا النفقة والكسوة عن الزوج بمضيّ الزمان، فلم يسمعوا دعوى المرأة بذلك، كما يقوله منازعوهم في نفقة القريب، فنفّسوا الخناق عن الأزواج بهذا القول، وأشَمُّوهم رائحة الحياة،