المسروق، حتى سألهم عنه القوم، فقالوا لهم: {مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} [يوسف: ٧١، ٧٢]، فاستقر عند القوم أن الصواع هو المتَّهم به، وأنهم لم يفقدوا غيره، فإذا ظهر لم يكونوا ظالمين باتهامهم (١) بغيره، وظهر صدقهم وعدلهم في اتهامهم به وحده، وهذا من لطيف الكيد.
ومن لطيف الكيد: قول المؤذن وأصحابه لإخوة يوسف عليه السلام: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ}[يوسف: ٧٤]؛ أي: ما عقوبة من ظهر عليه أنه سرقه منكم، ووُجد معه؟ أي: ما عقوبته عندكم وفي دينكم؟ {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}[يوسف: ٧٥]؛ فأخذوهم بما حكموا به على أنفسهم، لا بحكم الملك وقومه.
ومن لطيف الكيد: أن الطالب لما هَمّ بتفتيش رواحلهم بدأ بأوعيتهم يُفتِّشها قبل وعاء مَنْ هو معه؛ تطمينًا لهم، وبُعْدًا عن تهمة المواطأة.
فإنه لو بدأ بوعاء من هو فيه لقالوا: وما يُدريه أنه في هذا الوعاء، دون غيره من أوعيتنا؟ وما هذا إلا بمواطأةٍ وموافقة! فأزال هذه التهمة بأن بدأ بأوعيتهم أولًا، فلما لم يجده فيها هَمّ بالرجوع قبل تفتيش وعاء مَنْ فيه الصواع، وقال: ما أراكم سارقين، وما أظن هذا أيضًا أخذ شيئًا، فقالوا: لا والله، لا نَدَعُكم حتى تفتِّشوا متاعه؛ فإنه أطيبُ لقلوبكم، وأظهر لبراءتنا، فلما ألحُّوا عليهم بذلك فتَّشوا متاعه، فاستخرجوا منه الصواع، وهذا من أحسن الكيد، فلهذا قال تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ