للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جلمود وبصدر أرحب من الفضاء وذلك بعد خروجه من مدرسة حضن أمه الحرة بقليل من الزمن - تراه إذا ضرب في الفيافي طواها طي البساط، وإذا رقي في الجبال طاولها همة وإباء واصلاً الجد بالنشاط. وإذا جاع في تلك المطاوي اكتفى بكسرة خبز وشربة ماء، وإذا احتاج إلى النوم افترش الأرض والتحف السماء - تراه يجد في السير راكباً أهوال الحياة بشوشاً فرحاً جلداً يستقبله الأمل ويشيعه الحزم والعمل، تراه لا يصعر خداً ولا يقطب جبيناً إذا قامت بوجهه العقبات أو حلت به النوائب والملمات. وإذا نظرت إليه وهو في السهول أو الحزون أو الجبال وأمعنت فيه النظر نظر شاعر مصور للأفكار، يخيل لك إنه سلطان، وإن السهول الواسعة هي له بمنزلة الديوان؛ وما حواليه من مظاهر الطبيعة بمقام الأعوان. يخيل لك إن الجبال المرتفعة تطاطئ له الرؤوس، وتقوم بين يديه قيام رجل واحد مرؤوس، لا نفاذ أمره والجري على خاطره، يصعد إلى قمم الأطواد بحذاء يتخذه من الشعر أو الخيوط وهو الرشك ويتجول به إلى حيثما يشاء وهو يقطع الصخر ويقطع الشجر لبناء بيته منهما. ويصطاد الحيوانات ويلتقط المواد النباتية ليتخذ منهما طعامه أو يتجر بهما معاً ويدأب في غرس الكروم والأشجار المثمرة ويزرع الحبوب المتنوعة في الحزون والسفوح مكتفياً بماء المطر والثلوج وينحدر إلى السهول فيفجر فيها الينابيع المعروفة عندهم (بالكهريز) ويخترق الأنهار ويحرث الأراضي ويرعى الماشية ويربي الحيوانات الداجنة ويستبدل الثمار والغلال بغيرها من نتاج الصناعة الإفرنجية ويبيع المواد الأولى ليشتري بها المواد المعمولة ويمشي المسافات الطويلة أو البعيدة على الثلوج المتراكمة في بلاده وليس في رجله إلا حذاء عريض اسمه (جاروخ) ويكافح البرد بقباء قصير يتخذه من الصوف اسمه (فرنجي) وهو الذي يسميه بعض العرب (كبنة) (وزان غرفة). - كان رجل كردي يلقب (بابردو

<<  <  ج: ص:  >  >>