للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يهبط من السليمانية إلى بغداد في مدة لا تزيد أبداً على ثلاثين ساعة مع أن المسافة بين هاتين المدينتين هي عبارة عن تسع منازل للقوافل الاعتيادية. فإذا فرضنا إن هناك قطاراً يقطعها في عشر ساعات اتضح لك إن ذاك الرجل كان يسير سيراً يعادل ثلث سير القطار المتئد. هذا في المشي وأما في الانحدار من الجبال والتلول المرتفعة فكان ينزل منها راكباً فرسه مغيراً. ولا جرم أن الرجل العاقل إذا رأى انحدار تلك الاطواد وركوب الفرس عليها يذهب إلى جنون الراكب. والأمر مع ذلك أشهر من أن يذكر. ورأيت رجلاً اسمه (ججه) (وزان سبب) نزل من جبل (هروته) (وزان الوكة) الذي لا يقدر أحدنا أن ينزل منه راكباً لنشوزه كان ينحدر منه ججه راكباً جواده.

والكردي يحسن الرماية ببندقيته أحسن الرماية سواء كان واقفاً أو ماشياً أو راكباً ولا يخطئ الهدف إلا قليلاً. رأيت بعض الهورمانيين يرمون الجوز بالقنابل الجوزة بعد الجوزة والقنبلة بعد القنبلة وذلك على قدر مدى المرمى وبواريدهم من الطرز القديم لا تصلح شيئاً إذا وقعت في أيدي الرماة البارعين والكردي إذا حارب يثبت في حومة الوغى ويصبر على تجرع كأس الردى كأنه يتحسى الحساء. وقد يهجم وأمامه من الأعداء ما يساوي عدده أضعافاً وكثيراً ما ينجو سالماً غانماً بدون أن ينال بأدنى آذى. كان رجل اسمه (جوامير الهماوندية يقابل فئة وفيرة من الجنود المنظمة أو من مغاوير الرجال وليس معه من إخوانه إلا بقدر الأنامل وقد طبقت شهرة هذا الرجل العراق كله وكان الجميع يخافونه حتى صار العوام يضربون به المثل فيقولون (خوش ما صرت جوامير) أي ألعلك أصبحت كجوامير بشدة البأس والمراس.

هذه صفات الرجل الكردي الجبلي والقروي والبدوي وأفعاله. أما المدني فشأنه شأن العراقي في التجارة والعلم والصناعة وربما فاقه ذكاءٍ إذا عني بتربيته وهو لا يشبه القروي أو الجبلي أو الرحال بحال من الأحوال إلا شيئاً قليلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>