بهذه الكلمات وأمثالها كانت تخيفني (جدتي) بغية أن أضطجع في فراشي وأن أقلع عن الهرج الذي كنت أحدثه ليلاً، وبهذه الكلمات كانت تخيف جدتي أخي الصغير. وكان بهذه الكلمات وقع شديد في فؤادي بل كانت تقع على رأسي وقوع الصاعقة أو الداهية، فكان يعتريني الذعر والفزع، وكنت أحس بقشعريرة في جسدي وأشعر بأن يدا تريد أن تخطف قلبي من بين أضلعي. وكم ليلة بت فيها ساهراً خائفاً لم أذق فيها طعم الكرى من هول تلك الكلمات وما كانت تتلفظ به جدتي أي (الطنطل أو الغول أو السعلوة) حتى كنت تراني خامداً جامداً كمن إصابته زمانه أو شلل فكنت لا ابدي حراكا وكانت تتمثل أمام عيني أشباح تقذف الرعب في قلبي.
ولئن زارني الكرى في الليل فكنت أخاف غمرات أحلام مزعجة ورؤى هائلة وكنت مع شدة خوفي من هذه الألفاظ ألج لجاجة الطفل، ألح إلحاحا كثيراً على جدتي أن تقص علي نبأ (الطنطل) وحديث (الغول) و (السعلوة) وكانت جدتي من العجائز اللائى لم يرزقن علماً ولم ينلن تهذيباً وكانت أمية تجهل القراءة والكتابة وقد عاشت في وسط جاهل وبيئة خرافية وكانت تعتقد بالجن والطلاسم والأحاجي والسحر على نمط عجائز هذا اليوم.
٢ - الطنطل
وقد وصفت لي الطنطل وأنا يومئذ لم ابلغ السابعة أو الثامنة من العمر وقالت:(الطنطل يشبه الرجل إلا أنه عظيم الجثة كبير الرأس وهو اضخم من الجاموس أو الفيل وهو يأوي إلى الخرائب ويقف ليلاً تحت الطيقان وهو جبار يخطف العقول ويصرع الناس صرعة لا نهضة بعدها. وإذا أراد الإنسان أن يتخلص منه اخذ معه مخيطاً (أي مسلة أو إبرة ضخمة) وغرزها في مذاكيره فأنه ينقلب للحال حماراً أو حيواناً آخر يركبه الإنسان).