للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتهذيب ما كان كافياً لإزالة ادرأن الخرافات وأوساخ الأساطير من رأسي.

وبقيت عدة أعوام أتلقى علومي في المدارس حتى عام ١٩١٨ فعينت مديراً لمدرسة كربلاء هذه العوائد فعن لي إذ ذاك أن ادرس هذه العوائد والأوابد وأن أتتثبت حقيقتها، فكنت أغشى الأعراس والمآتم وأسائل هذا وذاك بلوغاً إلى أمنيتي.

ثم تجولت في اغلب مدن الفرات ودونت تلك العوائد العجيبة حتى حلول سنة ١٩٢٧ فكتبت ما يقرب من نيف وألف أسطورة وبوبتها باحثاً عن علة كل منها فاستطعت أن ألم بكثير من أسبابها وكان بودي أن ارجع كل خرافة إلى اصلها الأصيل وموطنها الأول إلا أني أحجمت عنها أخيراً الآن معرفة منشأ الأساطير العراقية يحتاج إلى درس أوابد الأمم الآسيوية كافة وهذا يحتاج إلى عمر أطول من عمر نوح إذ أن دراسة مثل هذه الأوابد تتوقف على دراسة التاريخ بصورة عامة مع معرفة العوائد والعقليات السابقة

واعتقد أن دراسة هذه الأساطير من اصعب الأبحاث وأعوصها - هذا إذا أردنا إرجاعها إلى اصلها - لأن العراق قد أمته أقوام عديدة وسكنته قبائل وشعوب كثيرة كالاكديين والشمريين والكلدان والآشوريين والفرس واليهود والإغريق والرومان والفرس والعرب والترك. فقد جاءت هذه الأقوام ومعها عوائدها وأساطيرها وخرافاتها فاختلطت بعضها ببعض والأمم تلقح بعضها بعضا أفكارها وعوائدها، والشعوب تقلد من كان اعظم منها ما يطيب لها. لذلك تراني لا اعتقد بعراقية الأساطير التي دونتها في رسالتي هذه أظن كل الظن أنها بقايا عوائد قديمة لأمم قديمه كأننا يعتقدون بصحتها وصوابها فهي إذن مزيج الخرافات التي جاءت بها الشعوب الفاتحة.

وأكبر برهان على ما أقول هو ما شاهدته وما أشاهده اليوم بعيني من عادة جديدة جاءتنا حديثاً من بلاد الإنكليز إلى العراق وهذه العادة هي أن الإنكليز لا يضرمون ثقاباً (كبريتاً) لثلاث دخينات (سجائر) معتق

<<  <  ج: ص:  >  >>