للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المساء جاءني الخدم وقادوني إلى غرفة طويلة مؤثثة بالسجاد النفيس في صدرها المجتهد محفوفا بأعوانه المعممين فقبلت يده بأدب فامرني بالجلوس فجلست وأجهشت بالبكاء ثم لمحت شخصا مقيدا مغلولا جالسا في آخر الغرفة وقد بانت عليه آثار التعذيب والجلد وكان نحيفا مهزولا يئن أنينا خفيا ويردد أنفاسا سريعة فقال له المجتهد ألم تزل مصرا على ضلالك وغيك وكفرك وإلحادك فأجابه برباطة جأش أني مصر على يقيني واعتقادي الصحيح وعلى ديني وإيماني وانتم المصرون على ضلالكم وغيكم. ولما أتم كلامه ماج الجالسون وهاجوا وتطاير الشرر من عيونهم وصرخ المجتهد بخدمه وقال لهم (بزنيد سخت بزنيد) أي اضربوه اضربوه شديدا فجر ذلك البائس على وجهه والسياط تنوشه كوقع الصيصة في النسيج. أما هو فكان يكثر من النداء يا صاحب الزمان (بلى آغا دولت خيلي ضعيف بود حكم در دست مجتهدين وعمامه ها بود!) أي الدولة كانت ضعيفة والحكم كان بيد المجتهدين من ذوي العمائم!

وبعد برهة حول المجتهد وجهه نحوي وقال: بكو أي جوان شما هم بابى هستي - أي قل أيها الفتى أأنت أيضاً من البابية؟ فقلت له: وقد بكيت، معاذ الله يا مولاي أني مسلم موحد وشيعي مؤمن وأني لا أعرف البابية ولا أعلم بمعتقدهم ولم أعاشر أحدا منهم. ثم قصصت عليه قصتي من أولها إلى آخرها وكيف أغواني الدرويش وجاء بي إلى خراسان. وأراد

هتك عرضي إلى غير ذلك وقلت له: أن أبي اليوم في شيراز وانه ينتظر مجيئي فامرني المجتهد بأن اسب الباب والبابيين فامتثلت أمره فاعتقد بصدق ادعائي ورق لحالي وبينما كان على وشك أن يطلق سراحي قام أحد المعممين وهمس في إذن المجتهد بضع كلمات ما عتم أن تغير لونه وبدت على سيمائه آثار الغضب فأمر الخدم أن يرجعوني إلى السرداب. فبت ليلتي وقد تمشت الحمى في مفاصلي وعظامي وكنت أئن طول الليل أنين المحتضر.

وكانت الحكومة الإيرانية قد أطلقت للمجتهدين التعذيب والتنكيل بمن يشتبه به إنه من الطائفة البابية أو يشك في إنه ممن ينتمي إليهما فكان المجال فسيحا للمتعادين المتباغضين إذ يبطش أحدهم بالآخر وكان المجتهدون لا يترددون طرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>