من سوء الحظ أن تاريخ اللغة العربية القديم مجهول أتم الجهل فليس من يقدر أن يعرف الأطوار الابتدائية، التي لا بد لكل لغة من المرور فيها، فنحن حينما نحاول البحث عن أصل اللغة العربية، أو نشوء الشعر فيها، نكاد نضيق ذرعا في التنقيب عنها، فكأن هذه اللغة لم تعرف الطفولة وكأنها خلقت، كما نجدها في كتب الأدب القديم (وأنك لتقرأ للمؤرخ من العرب السفر الضخم، ذا الأجزاء العديدة، والحواشي، والتعاليق، وتعاني من البرح، والعنت، ما تعاني، ثم لا تظفر إلا بأشياء لا تستحق، ما عالجت في سبيلها من الشدة، وبذلت من الجهد، وأنفقت في طلبها من الوقت، والمال والعافية، ولا تجد إلا قصصا وأخبارا لا ترى عليها طابع العقل وميسم التفكير).
ومن عجيب أمر هذه اللغة، أنه مع ما بلغته من النفوذ من اتساع النفوذ إلى حدود الصين،
والهند، ومجاهل أفريقية، وسواحل اوربية، لا تجد للان، تاريخا ممتعا لآدابها، وافيا بالمرام، مع وفرة كتبتها، وعلمائها، وتعدد مصنفاتها، في كل أبواب العلوم والآداب، وممن شعر بهذا الخلل، فئة من أولئك المستشرقين الذين أدوا للغتنا، خدمات جلى، فأرادوا نوعا سد هذا النقص، ببعض التآليف لتي أودعوها. أوصاف العلوم العربية، والحقوا بها الحواشي، والتعاليق العديدة، مع تراجم أصحابها وقائمة الكتب التي صنفوها. ولكن أني لهم أن يسدوا بعض هذا الخل، فهيهات، هيهات! وليس بين أيديهم، بل ليس في جميع الكتب العربية، المواد اللازمة لبناء هذا الصرح الشامخ، ووضع هذا التاريخ! ومما يزيد العراقيل أن (البلاد العربية، كما تعرف، كانت تحوي أصنافا من العرب مختلفة الشعوب والقبائل، متباينة اللهجات، متنائية الجهات وكانت مختلفة أيضاً في الوحدات السياسية فمنها ما كان خاضعا للدولة الرومية ومنها ما كان قائما بذاته مستقلا. كل هذا يستتبع بالضرورة تباينا كبيرا بين تلك الأمم العربية في مناهج الحكم وأساليب الإدارة وفي الآداب والعادات وفي كثير من مرافق الحياة الاقتصادية والمادية) فأما هذه كان من الصعب أن