نحصل على كل المعلومات الضرورية لجمع تاريخ الآداب في الجاهلية خصوصا وفي الإسلام عموما وفضلا عن ذلك أنه من المؤكد أن العرب كانت أمة بادية لا تفقه الكتابة ولا تألفها وكتب العرب نفسها تحدثنا أن عهدهم بالكتابة متصل بظهور الإسلام وانه من خطل الرأي أن نذهب إلى أن العرب كانت في بداوة جاهليتها كاتبة؛ اللهم إلا ما كان في بعض حمير ومن اتصل بالدولة الكسروية أو الدولة الرومية من القبائل النصرانية أو المتنصرة وغيرها كما ليس لنا ما يدل على عمران البلاد العربية أو أنئذ سوى آثار قليلة كسد مأرب في اليمن ومنازل ثمود بين الحجاز والشام وبعض آثار في نجران وغيرها قليل وعليه فإن ما وصل إلينا من تراث الجاهلية كان بطريق الرواية لا بطريق الكتابة ولو لم يعاجل الموت كثيرا من الرواة في عجز الجاهلية وصدر الإسلام لتوافقنا دون شك للحصول على إيضاحات اكثر.
ويزيد البحث صعوبة التلاعب والغش من بعض كتاب السلف فلا يمكن التثبت والكون إلى أقوال بعض الكتاب والوثوق برواياتهم ونحن نعلم أن القصاص في الكوفة والبصرة وبغداد تلاعبوا بكثير من أخبار الجاهلية وصدر الإسلام فزادوا حمادا وخلفا الأحمر وغيرهم من
الرواة والمنتحلين ولسنا نقتصر في الشك على ما رواه العرب بل نتعداه إلى سائر الشعوب القديمة إذا ما وجدنا للشك سبيلا ولسنا أول من شك في ذلك التراث المتروك فإن سوء الظن أمر واجب محتم ونتيجة لازمة لرقي البحث وتعزيز ملكه التحقيق على احدث الأساليب العصرية العلمية وإذا وجب الأمر وقفنا موقف الإنكار.
الشعر العربي لم يظهر إلا حوالي أواخر القرن الرابع للمسيح وفجر القرن الخامس فإن اقدم شاعر معروف جاهلي هو البراق عاش في القرن الخامس وقد ولد في نحو سنة ٣٩٥ للمسيح ومما يعرف من أولئك شعره قوله (من الرجز):
لإفرجن اليوم كل العمم ... من سبيهم في الليل بيض الحرم!
صبرا إلى ما ينظرون مقدمي ... أني أنا البراق فوق الأدهم