للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصل الشعر العربي، الحداء، فالغناء، وقد وقعت العرب في أول عهدها به، على ابسط بحوره الرجز فلزموا فيه التقفية كما لزموا الأسجاع في المنثور غير أن أبياته قليلة، وعلى وجه المثال نأتي بقول امرئ القيس إذ بلغه خبر مقتل أبيه بدمون في نواحي اليمن:

تطاول الليل علينا دمون ... دمون، أنا معشر يمانون

وأننا لقومنا محبون

وقال أيضاً في ذلك من الرجز:

يا لهف هند إذ خطئن كاهلا ... القاتلين الملك الحلاحلا

خير معد حسبا ونائلا ... وخيرهم قد علموا شمائلا

نحن جلبنا القرح القوافلا ... تالله لا يذهب شيخي باطلا

يحملننا والاسل النواهلا ... وحي صعب والوشيج الذابلا

مستثفرات بالحصى جوافلا ... يستشرف الأواخر الاوائلا

حتى أبيد مالكا وكاهلا

وهذا البراق أيضاً كما قدمنا اقدم الشعراء هو قائل أول شعر من الجز وقد أوردناه قبلا (لأفرجن اليوم كل الغمم).

زد على ذلك أن العرب كانوا كثيرا ما يحضرون المحافل الدينية المسيحية النصارى وغير النصارى منهم فيسمعون كثيرا من ألحانها فعلقت بنفوسهم فتأثروا بها واستفزتهم القريحة فأحبوا أن يحاربوا هؤلاء في الغناء فنظموا بادئ بدء ألفاظا ورتبوها مقاطع وانشدوها فطربوا لها فأعجبوا بها وما زالوا يغيرون بعض الأجزاء منها ويبدلون فيها ويحسنون

أوزانها حتى استقامت وصارت إلى ما نعهده من حسن السبك وبديع الانسجام ولطف النغم وبراعة التنسيق.

وأول من نسق الشعر ورتبه وألف القصائد وأنشدها جماعة البدو فالبراق والمهلهل وعنترة والنابغة وزهير بن أبي سلمى وغيرهم جلهم من العرب الرحل يدلنا على ذلك (أن ما ورد في هذا الشعر من الألفاظ والأوصاف والتشابيه والمعاني والأفكار يعتبر دليلا ساطعا على أن صناعة القصائد اخترعها وأتقنها الأعراب أهل الوبر وإن الحضريين إنما اتخذوها مقلدن لهم متمثلين بهم

<<  <  ج: ص:  >  >>