للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في لغتها وأساليبها ومواضيعها فتوافق نتيجتنا هذه ما اجمع عليه قدماء الإخباريين من كساد سوق الشعر وقلة النابغين عند أهل الحضر وسكان مدن الحجاز. . .)

تأثير الشعر عند العرب

كان الشاعر عند العرب، ولا سيما في الجاهلية خطيبا قبل كل شيء واهم مزايا الخطيب أن يؤثر في سامعيه ويستميلهم إليه ويعمل جهده ليقنعهم، ويضمهم إلى جانبه فمن دواعي ذلك أن تجتمع في الشاعر الخطيب هذه الصفات المؤهلة دقة الملاحظة، قوة التصوير وبراعته، رقة الوصف، وإن يكون مشبعا بالعواطف وغيرها من مستلزمات الخطابة فترى الشاعر العربي إذا ما قال شعرا سبكه خطبة. وكثيرا ما ضربت أعناق ونجت أعناق من الضرب وأثيرت الحروب بسبب، ألم يذهب المتنبي ضحية بيت شعر؟ فانه لما فر عندما اشتد عليه الطلب قال عبده أتهرب وأنت القائل:

الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم

فالتفت إليه المتنبي وقال له: قتلتني قتلك الله. ولوى العنان ورجع فحارب حتى قتل - وهذا تميم بن جميل عندما احضر للرشيد فأمر بضرب عنقه ألم تنجه هذه الأبيات:

أرى الموت بين السيف والنطع كامنا ... يلاحظني من حيثما أتلفت

واكثر ظني انك اليوم قاتلي ... وأي امرئ مما قضى الله يفلت!

ومن ذا الذي يأتي بعذر حجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت!

وما جزعي من أن أموت وأنني ... لأعلم أن الموت شيء موقت!

ولكن خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت!

كأني أراهم حين أنعى إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا؟

فان عشت آمنين بغبطة! ... أذود الردى عنهم وإن مت موتوا!

فبكى الرشيد وعفا عنه. وهذه ليلى العفيفة حين أسرها العجم، وضربوها لترضى بمراد ملكهم، جعلت تستصرخ ابن عمها البراق واخوتها فقالت:

ليت للبراق عينا! فترى ... ما أقاسي من البلاء وعنا!

<<  <  ج: ص:  >  >>