للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لو كان من المتعارف أو المستحسن أن يقص المرء سير الأحياء من غير متاقاة أو محاباة لقصصت عليكم من أخباره الطوال ما يستوعب كل وقتكم.

لحضرة الأب أنستاس منة لا تنكر على اللغة العربية وأبنائها لأنه يغار عليها أكثر مما يغار على أي شيء سواها ويحب إعلاء شأنها إلى السموات العلى ومن فرط حبه لها ينتقد مفسديها انتقادات مرة قد يرى المتعصبون الجاهلون لها أنه عدوها اللدود، وفي الحقيقة أن انتقاده هذا ما هو إلا كضرب الوالد الشفيق لولده الجاهل إذا أراد تأديبه وتدريبه على محاسن الأخلاق وطلب العلم.

إن إصدار مجلة لغة العرب مما رفع ذكر العراقيين في الآداب العربية وأحيا ميت أسمهم فيها. قد لاقيت غير واحد من المستشرقين في أوربة فكان أول شيء منهم إعجابهم بمجلة لغة العرب والتحدث عن مزاياها وفوائدها الجمة. ورأيتهم يقدرون كل التقدير اختيار الأب للكلمات التي يعبر بها عن المسميات العلمية والفنية الحديثة، وإن كان في بعضها مما يثقل على السمع تلقيه أو أصبح بحكم المهجور.

للأب أنستاس سعة صدر وحلم عظيمة، وكيف لا يكون كذلك وهو أحد الرهبان الذين من سيرتهم غفران الذنوب والإحسان للمسيء.

إن صلتي بالأب أنستاس قد تزيد على الخمس وعشرين سنة وهي متينة لم يصبها أي خلل طوال هذه المدة مع أنه راهب كاثوليكي - ومن مبادئ الكاثوليك الدعوة إلى المسيحية - وأنا شيعي أصولي - ومن مبادئ الأصولية التصلب في الدين والتنجس من غير المسلمين - يشهد الله علي أنه ما دعاني يوما إلى دينه ولا دعوته أنا إلى ديني، أو تناقشنا في هذا الباب كثيرا. فصحبتنا كانت ولا تزال أشبه شيء بصحبة الرضي والصابئ بل على ما أظن أقوى وأمكن.

(الفضل ناسب بيننا إن لم يكن ... شرفي يناسبه ولا ميلادي)

قد كنت أحيانا اسمعه - بغير قصد - بعض الكلم التي لا يجب سماعها المتدينون مثله فيتشاغل عن سماعها بسواها ويغير الموضوع بأدب وحكمة. وإني أتذكر عند كتابة هذه

الأسطر حادثة من هذا القبيل حدثت بيني وبينه - شهدها حضرة محمود أفندي الشيخ علي والد المفاضل علي محمود المحامي، وقد يقصها

<<  <  ج: ص:  >  >>