المدرسة هي الأساس الذي ترتكز عليه الآداب. بل هي مهبط الوحي. والقلب الذي يدفع دم العلم الجديد في أعضاء الشعب. فإذا أسيء التصرف فيها. وقفت الحركة وأتت بأقبح العلل وأفسد النتائج فمن هذا القبيل يجب على الحكومات أن توجه إليها أقصى انتباهها وعنايتها. فلا تلتفت إلى ما منه يمكنها زيادة دخلها. فهو أمر ثانوي. بل إلى المدرسة التي هي الأمر الأولي فمن وراء نشر العلوم وارتقاء الآداب يحصل تثقيف من ينتج للحكومة أدخلا حسنا (إيرادات حسنة). عناية السلطات في الشرق بالعلم قليلة. فما كان قبل لحرب لا يزال معمولا به إلى الآن. اللهم إلا بعض إصلاح يسير ومما يؤلم أن أنفذ سهم وأضره يصيب العربية وآدابها في الصميم. وليس - ويا للأسف! - من يسعى في تضميد هذا الجريح المثخن. فالطرق التي تدرس بها العربية عقيمة للغاية تجعل الذي يتعلمها كارها لها أشد الكره. وجميع الطلبة في المدارس يكرهون ساعة العربية ويحاولون جهدهم أن يتخلصوا منها. ومنهم من يدرس في أثنائها درسا آخر بالخفية عن المعلم طبعا - ولا يعير أقل انتباه إلقاء الأستاذ وتعليقه. وفضلا عن ذلك أن ما يعطى لهم كمنتخبات من الآداب العربية، لا يظهر منها إلا صحيفة سوداء قاتمة مشوهة تزيد كره المتعلم لهذه اللغة. فما تكاد أيام
دراسته تنتهي حتى يقذف بكتبه هذه إلى آتون نار! ناظرا إليها نظر الصحيح إلى الأجرب، وما تكاد تحدثه عنها حتى يبتعد عنك كأن مجرد ذكرها يخدش أذنه وسبب هذا أن من يؤلف هذه الكتب الدراسية عندنا، ليس له أقل إلمام بعلم التربية - وعلم النفسيات أو لا يريد إعنات نفسه أقل عناء ومشقة بينما نرى كل أمثالها في الغرب يعلمها أساطين هذين العلمين، ولا يقبل كتاب للدراسة ما لم يكن مستوفيا جميع الشروط.
لا أزال أذكر كيف كنت أنا وكل الطلبة نكره الدروس النحوية، ونشعر بسأم في ساعة درسها. وما كنا لنطيق درس تلك الجداول الكثيرة التعقد والتشويش، القليلة الجدوى. وما يوافي الامتحان. وينقضي حتى يسرع كل منا إلى كتبه العربية فيستل منها كتب النحو والصرف وغيرها، فيطعمها