للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بإهداء تمنياتهم الطيبة عن بعد. على

أننا نرجو أن يكون لمصر حظ خاص في تكريم حضرة الأب الجليل بين ربوعها في المستقبل.

ولكن لماذا نعلق أهمية خاصة على هذا اليوبيل؟ ليس ذلك لمنزلة فضيلة الأب المحتفل به فقط، ولكن لظروفه الاجتماعية أيضاً. فالأب الكرملي راهب متقشف يعيش في بيئة منقسمة إلى شيع وطوائف دينية شديدة التعصب، تنفر كل منها من الاعتراف بفضل من ينتسب إليها، وكثيرا ما تستحل الطعن في أخيار الرجال مدفوعة بعامل التعصب المذهبي الذمي!!! ولكن برغم كل ذلك لاقى الأب الكرملي من الحفاوة البالغة به ما دل دلالة صريحة على التيقظ الفكري السليم في العراق بل في العالم العربي بأسره وكان ذلك في دار فخامة رئيس الحكومة العراقية برعاية معالي وزير معارفها، وبأشراف كثيرين من الوجهاء والأدباء وصفوة أبناء العراق على اختلاف مشاربهم وعقائدهم الدينية والسياسية.

ولد الأب أنستاس في بغداد ٥ آب (أغسطس) سنة ١٨٦٦، فهو الآن شيخ جليل يناهز السبعين من سني حياته المباركة ولكنه ما يزال فتى في نشاطه وهمته وصفاء تفكيره وجلده العظيم وفي حبه للعمل المنتج، واهبا نفسه هبة صادقة للغة والأدب، مستبقيا عهده الديني في تقشفه الدائم.

وقد أنفق الأب الفاضل نحو خمسين عاما في تدريس العربية وآدابها؛ فقد ظهرت علامات نبوغه المبكر وهو ابن ست عشرة سنة وحينئذ تولى التدريس في مدرسة الكرمليين ببغداد، وكان قبل ذلك يقوم بالتدريس الخاص، وهذا نبوغ مبكر حقا، ولم يكن نشاطه قاصرا على التدريس بل كان يكاتب طائفة من كبريات الصحف والمجلات في ذلك العهد (كالبشير) و (الصفا) و (الجوائب) مهتما بالأبحاث اللغوية والأدبية. وفي سنة ١٨٨٦ م قصد المدرسة اليسوعية الأكليريكية في بيروت لتدريس العربية وفي الوقت ذاته كان يدرس اليونانية واللاتينية.

وقد أتم فضيلة الأب الكرملي دراسته الدينية ورهبنته في بلجيكة وفرنسا وبعد أن قسس غادر فرنسة إلى الأندلس ليطلع على مخالفا الحضارة العربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>