للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم عاد إلى بغداد فتولى إدارة المدرسة الكرملية وتعلم العربية والفرنسية فيها إلى أن تفرغ أخيرا لأبحاثه المستقلة العظيمة ولمجلته الشهرة (لغة العرب).

وقد زار المترجم مصر كما زار أوربة مرارا، وكذلك تجول في كثير من أقطار الشرق، فأكتسب بذلك معارف شتى وخبرة واسعة بطباع الناس وأخلاقهم وميولهم.

ولفضيلته من الأبحاث المبتكرة في كبريات المجلات (المقتطف) و (الهلال) و (المشرق) و (الزهور) و (المقتبس) و (المباحث) و (المنهل) و (الزهراء) و (فتاة الشرق) وغيرها ما كان ولا يزال موضع العناية والإجلال سواء كان بإمضائه الصريح أو بإمضاء مستعار كما كان يفعل كثيرا زهدا في الشهرة، وحبا في خدمة اللغة والأدب والتاريخ لذاتها.

ويعد الأب الكرملي عن جدارة الحجة الثقة في فلسفة اللغة العربية وشيخ أئمتها وما كان ذلك عن إطلاع كبير أو عن ذاكرة نادرة فقط بل كان أولا لعبقريته المبتكرة الفذة، فإذا أردت دليلا عليها في مجال البحث المستقصى المشبع بالتحليل والذكاء والاستنتاج العميق فحسبك ان تقرأ ما كتبه عن (أداة التعريف في التاريخ) كمثال لمباحثه الجليلة التي لم يسبقه إليها باحث ولم يلحقه فيه مجتهد: وإذا أردت نموذجا لنقده اللغوي الدقيق الممتلئ بالإنصاف والأحكام فحسبك أن تقرأ ما كتبه في نقد معجم (البستان). وهذه مجلته (لغة العرب) مفعمة دائما بالكثير من مباحثه النقدية الثمينة.

وقد أدى تخصص الأب الكرملي في فقه اللغة العربية إلى اهتمامه بلغات شرقية قديمة وحديثة وتضلعه منها كاللغات الآرامية والعبرية والحبشية والفارسية والتركية والصابئية، دع عنك اللغات الأوروبية القديم منها والحديث على السواء فأصبح دائرة معارف لغوية مدهشة، وصار علما لا يسامى في منزلته ومعارفه الفذة الممتازة التي يستثمرها خير استثمار في جميع كتاباته ومباحثه.

وقد نكب الأب الكرملي أثناء الحرب العظمة بتبديد مكتبته الكبيرة على أيدي الأتراك وبنفيه زمناً إلى قيصري حيث لاقى صنوفا من الهوان والعذاب حتى إذا ما عاد إلى وطنه أنكب غير يائس على إصلاح ما أتلفت ظروف الحرب والسياسة

<<  <  ج: ص:  >  >>