كما نعلمه نحن وكل شرقي، قد كان مختصا بالجاهلية، وتآليفه عنها في غاية الأهمية، ولها مركزها الجدير بعناية المستشرقين، ولا نعلم المقصد من عدم ذكره في قائمة الكتب القيمة الثمينة التي ذكرها؛ في مذكرته عند الاستهلال ولعله يتداركها في طبعة تالية.
يحدثنا كرا دي فو عن أديان العرب في الجاهلية غير المسيحية ولا المتأثرة بتعاليمها وبتعاليم اليهودية فيخبرنا مثلا عن الصابئة وما يظن عنها وأنها دين إبراهيم الخليل وحيث أن هذه أقرب إلى الوثنية فلعل العرب عكست اسم إبراهيم عن بهرام الفارسية وبرهما الهندية وقصة النار التي يلصقها العرب بإبراهيم وإلقاء نمرود الطاغية له فيها فنجاته بمعونة العلي تروى عند المزديين أي المجوس وتنسب إلى بهرام الخ. ثم عن تحطيم النبي لأصنام الكعبة الستين والثلاثمائة.
ونمر فإذا أخبار قس بن ساعدة وزيد بن عم عمر بن الخطاب فورقة بن نوفل فأمية بن أبي الصلت وقد أطال البحث عن الأخير خاصة إذ ليس من باحث في أخبار الجاهلية لا يعبأ بهذا الشاعر الفرد فلامية شذوذ عن سائر شعراء ذلك العهد إذ طالما أتى بأفكار قلما ذكرت وأقول بل لم تذكر قبلا عن أحد الشعراء في زمنه (وهذا مما يزيد شعره قيمة ويكسبه حلة أنقى ويجعله إلى عواطفنا أقرب دون أكثرية الشعر الجاهلي. . . ونجده أقرب إلى مزاجنا وأوفى إلى طبيعتنا من أشعار الشنفرى والنابغة وغيرهما). أما دي فو فأدار سكان بحثه تجاه فلسفته الدينية واشتقاقها - فإنه يعزى إلى أمية الحنيفية كما يعزى دين الصابئة إلى إبراهيم الخليل وفي ذلك من الخلط الفاحش ما فيه - ويقدم لنا بعض شواهد من شعره،
والآن فإذا نحن بحياة صاحب الحركة الهائلة النبي محمد. فيحدثنا عن نشأته وتجارته في
سورية والحجاز فزواجه بخديجة فنشره الدعوة إلى الإسلام ومهاجرته إلى المدينة حين أبى المكيون قبولها وناهضوه حيث لقي إذنا صاغية سميعة. . . فحروب بدر وأحد وغيرها إلى تمام تغلبه على الأكثرية وسحقه معارضيه. وانتشار الإسلام دينا قويا في بلاد العرب وموت النبي ومن ثم نشأت من بعده حب