للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاكتساح وتدويخ الأمصار وإذا بالأهبة تتناول محلها في صدور العرب الجائشة فتخرج عن عزلتها. وتتناول من جهة الشمال سورية فواقعة اليرموك الشهيرة واندحار الروم والسوريين. ثم استيلاء العرب على دمشق الشام درة المشرق، فالانتصار الرائع واعتزاز الإسلام بعد وقوع جميع هذه البلاد التي تلاطم منبعه وما كان بينها من الصلات. ثم نرى فإذا أمر ينبثق فجره من سجوف المعارك والملاحم الشعبية وينكشف الستار عن ملك حكيم وملك عظيم. وإذا الخليفة المقدام معاوية الأول ودولته الأموية ففي هذا الخليفة وهذه الخلافة قويت شوكة الإسلام وامتدت سلطته إلى أقاصي البلدان وهو من علم العرب - أو كان العامل الأول في رزقهم - فنون البحرية. وهو كان ينهض فيهم الهمم والاهتمام بجميع الأمور. كما كان يود تقدمهم ورقيهم ويتخذ لذلك أمره وكما يقول العلامة الأب لامنس (يريد تثقيفهم وتدريبهم على احترام السلطة الحاكمة بادئا بعائلته الخاصة. . لأننا نعلم عادة العرب وثورتها إذ كانت في بحر جاهليتها على السلطات الحاكمة ونقضها كل حكم فمعاوية ود من الصميم إرشادهم إلى طرق الحياة المثلى وكان كما يقول عنه البارون (ملكا عاملا) وقد ترك من الذكر الحسن هالة لامعة حول ذكرى بني أمية وكان له من مشاعره الحية ورقة إحساسه وكرمه وحلمه على الغير ما حببه إلى القلوب وجذب إليه العواطف التي هي أشد جموحا وصدودا. وقد تبسط عنه دي فو في هذا الجزء كثيرا وبسط آيات حكمه وحللها من جميع جهاتها وأثنى عليه وعلى اقتداره في القيام بأعباء الملك. والحق يقال أنه لو أرادت سورية أن تعطف على من تناوبوا الحكم على كرسيها منذ عهد حيرام وايتوبعل الزاهر إلى يومنا هذا من ملوك وحكام ذوي صولة وهيبة نظروا إليها بعين البنوة - فلا مشاحة أن معاوية له بينهم مركز سام فالإسلام قد وجد فيه خير خليفة وحاكم عادل إذ هو الرمز المنير والقدوة اللامعة في تاريخه.

<<  <  ج: ص:  >  >>