للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد كنا نشرنا في مجلة (المشرق) البيروتية (٣: ٦٨١ وما يليها) في سنة ١٩٠٠ إن كلا الحرفين مشتق من العربية (ضوء) لأنك إذا حذفت من آخر اللفظين الأجنبيين الكاسعة بقي عندك (زيوء) أو (ديوء) فهما بلا أدنى شك لفظ (ضوء) بحروف الأعاجم وهم يقرون أن معناهما الضوء كما نعترف لهذا اللفظ بمعنى النور.

بقي هناك أمر وهو كيف صارت (ضوء): (عوض)؟ - قلنا: إن الحرف الضاد في اللغة العربية يأتي بصورة عين. فإن الآرميين يسمون مثلا الأرض (أرعا) أو (أرع) بعد حذف الألف. والضال: (عالا) والضب: (عبا) إلى غيرها وهي كثيرة. فلو أنطقنا إرميا بكلمتنا (ضوء) لصارت (عوء) بلسانه بل أيضا بلسان بعض القبائل من قومنا الأقدمين الذين كانوا يجاورون الآرميين ويجارونهم في ألفاظهم وأوضاعهم وتعابيرهم. ففي لغتنا مثلا يقال بلا فرق: ضج وعج. الضمد والعمد. جرض وجرع. الضب والعلب (وهنا أقحموا اللام تفننا وزيادة في المعنى كما قال سيبويه).

زد على ذلك أن بعض السلف منا (كان يضيق عليه مخرج الكلام في الآخر فكان يستعين

عليه بالضاد وهؤلاء هم الضزاز) (التاج في ض ز ز). وهكذا قالوا في (عوء): (عوض). هذا فضلا عن كثيرين من قدمائنا كانوا يجعلون الهمزة ضادا أينما وقعت، وكما أنهم قالوا في عوء: عوض، قالوا في أوى إليه: ضوى إليه.

وبعد هذا الشرح الموجز المنخول لا نحتاج إلى تأييد القول بطريق المعنى إذ هو أيضا واحد في (عوض) العربي، و (زيؤس) اليوناني و (ديؤس) اللاتيني.

أما أن (زيؤس) آرية محضة فهذا لم ننكره إلا أننا نقول أنه يمت إلى لغتنا بنسب قديم وعندنا من الأدلة شيء لا يحصى إذ رأينا كثيرا من الألفاظ الآرية ترجع في أصلها إلى النجار السامي - وإن شئت منا صراحة - قلنا لك: (إلى أصلها العربي) وقد أحصينا منها مئات لا عشرات. وهكذا لا نرضى بقول لغويي الغرب أن لا صلة بين الآرية والسامية؛ إذ بيدنا المعاول العلمية ما ينسف تلك الصروح عن آخرها ولا بد من أن نأتي بها يوما.

<<  <  ج: ص:  >  >>