إني من المعجبين بالبحاثة الجليل (يعقوب أفندي نعوم سركيس) المطرين له في غيبته إطراءا دونه إطراء الأخ لأخيه اللهم إلا عند مجادلية لأن ذلك يفسخ عزمهم ويدعوهم إلى القول بتحزبي بل ربما شجعتهم على نقده لتمحيص الحقائق وشحذ الأذهان. ومما يمتاز به
البحاثة الفاضل أنه لا يقول إلا إذا استند أو اعتمد لا كما يفعل الطاشة من كتاب التاريخ من عدم ذكر المساند فكأن التاريخ أشعار تنظم وخيال يبتدع وكل ما ذكرت مما يدعني أتحرج في طلب الحقيقة لأن طالبها متأثم نزيه بلا خلاف
ذكر صديقي الفاضل في لغة العرب (٣٧٣: ٧) ما كتبه الرحال ابن جبير عن (جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي) الحنبلي ليستدل به على موضع (دور الخلافة) أي قصور الخليفة مضيفاً إلى ذلك (كلمات) لشرح ما أبهم من الأسماء والمقاصد واضعا لها بين عضائد ونص الجميع (ثم شاهدنا. . . مجلس الشيخ. . . جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي و (الدار) في آخره (يعني في آخر الجانب الشرقي) على اتصال من قصور الخليفة و (هي أعني الدار) بمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي) اهـ
فأقول: إن قوله (والدار) قبل قول ابن جبير (بالجانب الشرقي) مغلوط فيه وقوله (هي أعني الدار) قبل قول ابن جبير (بمقربة من باب البصلية) كذلك لأن الأخبار عن (مجلس الشيخ لا داره بل الوصف لمجلسه لا داره ألا يراه قد قال بلصق قوله المذكور (وهو يجلس به كل يوم سبت)؟ (فشاهدنا مجلس رجل. . .) وأضيف إلى ذلك قوله في ص ٢٠٣ من الرحلة بمطبعة السعادة سنة (١٢٢٦ - ١٩٠٨) ما نصه (وحضرنا له مجلسا ثالثا يوم السبت الثالث عشر لصفر بالموضع المذكور بازاء داره على الشط الشرقي اهـ.
أما قول الصديق الفاضل (يعني في آخر الجانب الشرقي بعد قول ابن جبير) وفي آخره فأرى أن صوابه (في آخر الشط) لأنه قال رحمه الله (بازاء داره على الشط وفي آخر) وإسناد الضمير إلى الجانب لا طائل فيه لأن للجانب الشرقي آخرا شماليا وآخرا جنوبيا وآخرا شرقيا وآخرا غربيا بل له آخر في كل نقطة من محيطه