وقد شرحنا في مقدمة معجمنا الغرض من تأليفه، وبينا أن مهمتنا في وضعه تفوق ما يجب على زميلنا الفرنجي: بنقل أوضاع لا مقال لها في العربية وإيراد أوضاع عربية تؤدي
المعاني الجديدة وتعريب ألفاظ فرنجية أو ترجمتها، وإصلاح قصور معاجمنا العربية القديمة وإبهامها وأوهامها، وإثبات ألفاظ مألوفة لعلمة الكتاب. ويأبى البعض أن يعدها من الفصيح لأنها لم تثبت في تلك المعاجم، وقلنا أن الغرض الأول الذي وضعناه نصب أعيننا هو التدقيق العلمي وإثبات المصطلحات وما يقابلها بالعربية لا ذكر الفوائد النحوية والصرفية. ولم يكن مطلوباً مني التعمق في فقه اللغة لعدم إلمامي الكافي بذلك الفن فهذا جدير بسيبويه وابن جني والكرملي وأمثالهم. ورأيت الأجدر بي إفراغ جهدي في التمحيص العلمي وأخلصت القصد في إظهار ما في لغتنا من المزايا فأن كنت هفوت أو فاتني شيء من كنوز بحرها الزاخر لانفرادي بالعمل أو لضعف جهدي فعسى الله أن يوفق من بعدي من يكمل ما فاتني وفي تهافت العلماء على عملي دليل على أن منيتي ستحقق، ولو تضافر رهط من أمثال الكرملي على خدمة العربية لما عازها شيء لمجاراة اللغات الفرنجية الحية.
وقد وضعت المعجم لفائدة الأطباء والمعلمين والصحفيين وطلاب المدارس العصرية فكان لابد من يشتمل على أكثر الألفاظ التي يسمعونها يومياً في مختلف العلوم الطبيعية والطبية ولابد من استعمال كثير من الألفاظ المسموعة.
واللغة الفصحى لم يشع استعمالها زيادة عن القرن الأول من الهجرة وبعد ذلك كثر اللحن وتغيرت ألسنة سائر البلاد عن أصولها الفصيحة وتطورت ولم تبق كما كانت لغة التخاطب. وهذه تغيرت كثيراً عن أسلوب الكتابة وتأثرت الألفاظ بالزمن والتمدن، فأهملت ألفاظ وأدخلت ألفاظ وتغيرت معان أخرى ومصادر الكلمات الدخيلة أربعة:
(١) ما دخل باحتكاك العرب بسائر الأقوام الذين توطنوا في العالم القديم وجاء مذكوراً في كلام مشاهير المؤلفين.
(٢) لغات بعض القبائل العربية والأصقاع المستعربة، ذكر بعضها في دواوين اللغة ولم يذكر أكثرها، ولكنا لا نزال نسمعها إذا ما طرقنا هذه الأصقاع.