للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الأبيات الرائعة:

اسر؟ وهمت كليوباترا! أتظفر بي ... أيدي الكماة وفي كفي أظفار؟

لو قلت قتل، لكان القتل أشبه بي ... كأس المنايا على الأبطال دوار!

الحرب تعلم والأيام تشهد لي ... أني شديد على الأقران جبار!

لو كنت شاهدتي والحرب جارفة ... والصف تحتي بعد الصف ينهار

قد جن تحتي جوادي فهو عاصفة ... وجن نصلي بكفي فهو إعصار

رأيت حملة صدق غير كاذبة ... لا السيل يحملها يوما ولا النار

لما صدمت جناحيهم وقلبهمو ... عن الخيام وعن أوكارهم طاروا

ولكننا نأخذ عليه ما اعتدنا صدوره في شعره، فقد استقى بعض أفكاره من معدن آخر حين يتناول في البيت الثالث مثلا روح المتنبي في بيته الشهير كما تتسيطر في الأبيات الأخرى روح عنترة، التي تكاد تفصح عن نفسها بأجلى دليل لدى ذكر المواقع ثم انه يذهب في البيت الأول إلى تورية بائرة، وتلميح عقيم ممقوت، فيكنى عن الأسلحة بالاظفار، وفي البيت الأخير بالأوكار عن الملاجئ، وهو شيء غير خليق بروح العصر، بل بروح هذه الفاجعة الفذة في حين انه أبدع في تشبيه جنون جواده بالعاصفة القالعة (وجنون) نصله بالإعصار الذي لا يبقي ولا يذر، وهذا ما يتخيله المرء من باب المجاز، ويكاد يحسبه واقعيا حين يشهده في موقعة وان تفننه وبلاغته في جميع هذه الخواطر متراصة متعانقة بعضها لبعض ليغفر له القصور والزلل فيها، ولكن ها أن روح البدوية تعاوده ولا تزال تنتفض في الأبيات التالية على قدر زهيد في حماسة وافتنان:

ذريني أعبئ للقتال كتائبي ... فلي في غد شأنان في البر والبحر

ذريني أهيئ للأحاديث في غد ... فإن غدا يوم سيبقى على الدهر

ذريني أزد تاجيك غار وقائعي ... واقرن بثعبان جلالهما نسري

ولست أخاف الدارعين وإنما ... أخاف فجاءات الخيانة والغدر

وليس كمين الحرب ما أنا هائب ... ولكن كمين الغدر في ظلمة الصدر!

ويأخذ اليأس انطوان على اثر إيحاء كليوباترا بموتها فيعمد إلى الانتحار فينادي

<<  <  ج: ص:  >  >>