للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يغالب عقله.

والكتاب قد يفضل صاحبه. ويرجح على واضعه بأمور. منها: انه يؤخذ مع كل زمان على تفاوت الإعصار، وبعد ما بين الأمصار، وذلك أمر يستحيل في واضع الكتاب، والمنازع بالمسئلة (المسألة) والجواب. وقد يذهب العالم ويبقى (وتبقى) كتبه، ويفنى العقب، ويبقى أثره، ولولا ما رسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت من عجيب حكمها، ودونت من أنواع

سيرها حتى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها المستغلق علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم نكن ندركه إلا بهم.

لقد خس حظنا من الحكمة، وانقطع سببنا من المعرفة، وقصرت الهمة، وضعفت النية، فاعتقم الرأي وماتت الخواطر، ونبا العقل. واكثر من كتبهم نفعاً، واحسن ما (مما) تكلموا به موقعاً، كتب الله التي فيها الهدى والرحمة والأخبار عن كل شيء (و) عبرة وتصريف كل سيئة وحسنة.

فينبغي أن يكون سلبياً ممن (في من) بعدنا كسبيل من قبلنا فينا. على إنا قد وجدنا من العبرة اكثر مما وجدوا، كما أن من بعدنا يجد في العبرة اكثر مما وجدنا. فما ينتظره العالم بإظهار ما عنده، والناس (والناسي؟) للحق من القيام بما يلزمه فقد أمكن القول، وصلح الدهر، وخوى نجم التقية وهبت ريح العلماء وكسد الجهل والعمى، وقامت سوق العلم والبيان.

وهذا الكتاب، أرشدك الله، وان حسن في عيني، وحلا في صدري فلست آمن أن يعتريني فيه من الغلط، ما يعتري الأب في ابنه. والشاعر في قريضه والذي دعاني إلى وضعه، مع إشفاقي منه، وهيبتي لتصفحك له أني حين علمت أن الغالب على ارادتك، والمستولي على مذهبك، تقريب العالم، وإقصاء الجاهل وانك متى قرأت كتاباً، أو سمعت كلاماً، كنت من وراء ما فيه من نقص أو فضل، باتساع الفهم، وصحة العلم، وانك متى رأيت زللا غفرته وقومت صاحبه ولم تقرعه به، ولم تخرمه (؟) له. ومتى رأيت صواباً أعلنته ورعيته فدعوت إليه، وأثنيت عليه، ولاني حين آمنت عقاب الاسآة (الإساءة) وثقت بثواب الإحسان، كان ذلك موجباً لوضعه. ولم استكره نفسي عليه وصار

<<  <  ج: ص:  >  >>