للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقضي أن المأمون توفي في سفرته تلك بالبذندون وانتحلوا هذا الاسم منذ ذلك الوقت، لأنه لم يكن بحران ونواحيها قوم يسمون بالصابة (بالصابئة). فلما اتصل بهم وفاة المأمون ارتد اكثر من كان تنصر، ورجع إلى الحرنانية، وطولوا شعورهم حسبما كانوا عليه قبل مرور المأمون بهم على انهم صابئون، ومنعهم المسلمون من لبس الأقبية لأنه من لبس أصحاب السلطان؛ ومن اسلم منهم لم يمكنه الارتداد خوفاً من أن يقتل؛ فأقاموا متسترين بالإسلام، فكانوا يتزوجون بنساء حرنانيات، ويجعلون الولد الذكر مسلماَ والأنثى حرنانية. وهذه كانت سبيل كل أهل ترعوز وسلمسين القريتين المشهورتين العظيمتين بالقرب من حران إلى منذ نحو عشرين سنة، فان الشيخين المعروفين بابي زرارة وأبي عروبة من علماء شيوخ أهل حران بالفقه والأمر بالمعروف وسائر مشايخ أهل حران وفقهائهم احتسبوا عليهم ومنعوهم من أن يتزوجوا بنساء حرنانيات، أعني صابئات. وقالوا: لا يحل للمسلمين نكاحهم لأنهم ليسوا من أهل الكتاب.

وبحران أيضا منازل كثيرة إلى هذه الغاية بعض أهلها حرنانية ممن كان أقام على دينه في أيام المأمون أو بعضهم مسلمون. وبعضهم نصارى ممن كان دخل في الإسلام، وتنصر في ذلك الوقت إلى هذه الغاية مثل قوم يقال لهم: (بنو ابلوط وبنو قيطران، وغيرهم مشهورين بحران) أهـ كلام ابن النديم.

فيرى من هذا جلياً أن سبب بعض الفرق الدينية هو خوفها من اضطهاد مجاوريهم لهم ولا سيما المسلمون. بل كانوا يخافون الموت لعدم وجود كتب بأيديهم تعتبر منزلة في نظر الغير. ولهذا كانت تلتجئ هذه الفرق أما إلى التكتم والتقية، وأما إلى احتلال الجبال وصياصيها. أو الديار البعيدة عن العمران والحضارة، يرى ذلك في الفرق النصرانية التي حينما كانت تضطهد في سورية وفلسطين كانت تلتجئ إلى الجبال المتوحشة أو إلى بعض ديار جزيرة العرب وذلك قبل الإسلام، حينما كانت تلك الجزيرة ميداناً تنزل فيه البدع والنحل وأنواع الشيع المتمزعة.

الخاتمة

هذا ما وصلت إلينا تتبعاتنا وتحققاتنا في هذا البحث. وإذا كان لأحد القراء ما يزيد الموضوع سعة، فليتفضل به علينا ونشكره عليه سلفاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>