للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يقرب من السبعمائة سنة. وبعد موت تيمورلنك، بقي قسم كبير من العرب سكان البوادي يحافظون على هذا اللباس لجملة أسباب، منها: إنه كان يتوفر لهم ذلك في باديتهم، إذ يضعون على رؤوسهم منديلاً أو شالاً أو كوفية، ويربطون فوقها عصابة، سواء أكانت عقالاً أو مما يربط الحطاطة (كذا) على الرأس. ومنها: إن هذا اللباس كان بعضهم يسترون به وجوههم عند مرورهم بين القبائل المعادية، أو التي بينها وبين قبائلهم ثأر وبهذه الواسطة لا يعرفون.

بناء على ذلك لا يكون العقال والكوفية شعار العرب منذ القدم، وما وجدا إلا للأسباب المار ذكرها. انتهى كلام الأديب مع العلامة المؤرخ المجهول الاسم.

قلنا: كل هذا حديث خرافة. وكنا سمعنا مثل هذه الحكاية من أدباء الشيعة في بغداد وكان ينسب ذلك إلى أحد ملوك الحبش الذي حارب العرب في عقر دارهم وأكرههم على اتخاذ الكوفية والعقال. ولما طالبناه بالأدلة النقلية، لم يستطع أن يدلنا على مؤرخ قال هذا القول، بل لم يتمكن من ذكر أسم الملك الذي أجبر اليمانين أو غيرهم على اتخاذ هذه العمرة.

والذي عندنا أن لبس العقال قديم جداً عند الساميين وقد كتبنا مقالاً طويلاً في هذا الموضوع (لغة العرب ٨: ٥٣٧ و٥٤٠).

وأما الكوفية فلم يكن هذا أسمها في قديم الزمان، بل كان يسميها الأقدمون منا (الصماد) (وزان كتاب) واشتقوا منها فعلاً فقالوا: صمد تصميداً. قال في لسان العرب: (صمد رأسه تصميداً، وذلك إذا لف رأسه بخرفة أو ثوب (أي قماش بلساننا العامي العصري أية كانت مادته) أو منديل، ما خلا العمامة، وهي (الصماد). فهذا نص عربي صريح على أن العقال والصماد من عمرة الساميين خاصة، ولا سيما العرب. ومن قال الخلاف فقد جهل التاريخ والعرب ولسانهم، إلا أنه كان بعض العرب يكتفون بالصماد وحده، وآخرون يثبتونه بالعقل، على حد ما يرى اليوم من يفعل أحد الأمرين أو كلا الأمرين معا.

وكان من العار أن يسير الرجل مكشوف الرأس. وقد ظهر في الآثار التي وجدت في ديارنا

العراقية تصاوير وتماثيل منها بالعقال ومنها بالصماد وحده ومنها بالصماد

<<  <  ج: ص:  >  >>