للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تربيتهم، ومن راجع كتاب سير السلف، والكواكب الدرية وسائر كتب الطبقات في التصوف وراعى تطور العصور الإسلامية. ينكشف له بوضوح طريق القوم، ويعلم يقيناً أن هؤلاء هم (الصفوة).

وكل ما وصل إلينا من هؤلاء انهم أرادوا تهذيب نفوسهم، وتجريدها من العوارض الدنيوية، مما يستدعي انشغال البال، والتفكر في أحوال المعاش. وبذلك تمكنوا من توجيه الناس إلى الطريقة التي حصلوا عليها، وصرفوا الناس عن أمور كانت شغلهم الشاغل وهمهم الوحيد مثل المقارعات الكلامية، والمجادلات الدينية إلى نحوها، وحضوهم على العمل بعد أن تيقنوا أن الجدل قد يفسد المنطق، ويسوق الناس إلى المماحكات، وان أتقنوا ترتيب أشكال القياس وليس هذا موطن تفصيل هذه الأمور.

وهذا العصر انجب مثل مترجمنا الشيخ عدي، تجول وسار في الأقطار، حتى بلغ المكانة المرضية بمجاهداته؛ لتحقيق منطوق الآية (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). فشاع أمر المترجم في الآفاق وقصدنا بالزيارة في حياته؛ وهو الذي غطت شهرته سائر الزهاد في الأنحاء التي اختار العزلة فيها، مثل علي بن وهب السنجاري، ومن تقدم الكلام عليهم ومثل جاكير الكردي. فلم يزاحمه ويكفيه فخراً ومكانة شهادة الشيخ عبد القادر الجيلي في حقه إذ قال: (لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة، لنالها عدي بن مسافر). ولذا اضربنا عن ذكر شهادات الآخرين بعده.

عقيدته:

لم يبتدع جديدة. وإنما هي عقيدة أهل السنة. وقد أوضحها في رسالة له. ونقل عنها ابن تيمية في رسالته المارة قبلا. وقد عثر عليها الدكتور رولدف فرانك في مكتبة الترك في برلين، وفيها يقول ما مؤداه: إنه ليس في العالم حادث خارج الإرادة الإلهية، وان العمل جزء من الإيمان، وانه يقبل (الزيادة والنقصان). وأورد في تلك الرسالة حديث افتراق الأمة، وان أهل السنة، هم الفرقة الناجية، ويندد الشيعية. ويلتزم جانب معاوية بن أبي سفيان ويناضل عنه. وهو على أهل البدع ممن يخالف أهل السنة. ويعتبر نفسه من

<<  <  ج: ص:  >  >>