وقال في ص ١٣ (فان الهرب كانوا أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين) مع انه كان قد قال في ص ٨ (وهذه الوثنية كانت دين الكثرة من العرب) فلا تتأتى الكثرة الدينية إلا من شدة اتصالهم بعضهم ببعض، ثم قال عن الشعب العدناني والقحطاني في ص ١٤ (فكان أذن بين الشعبين اتصال سياسي وتجاري يقرب بين اللغتين الألفاظ ويجانس بين اللهجتين في المنطق) فاثبت الاتصال الاماري والتجاري إذن لم يبق على شيء، مما اعتمده أولا، والرأي الأخير هو الصواب لأنه حالهم في اغلب عصورهم، وقصدهم إلى البيت الحرام في الجاهلية دليل ناطق على اتحادهم في الدين وقد أشار الله تعالى إلى صلاتهم فقال:(وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) وقال هو في ص ١٥ (إلا عكاظ فأنهم كانوا يتوافون إليها من كل فج لأنها متوجههم إلى الحج ولأنها تقام في الأشهر الحرم) وأما التجارة فلا تحتاج إلى برهان.
المعاهدات واللهو في أسواق العرب
وقال في ص ١٤ عن الأسواق (وكان العرب يقيمونها في أشهر السنة للبياعات والتسوق) قلنا: وللمعاهدات واللهو والسرف والترف ألا ترى الحارث ابن حلزة يقول:
واذكروا حلف ذي المجاز وما ق ... دم فيه العهود والكفلاء
واعلوا أننا وإياكم في ... ما اشترطنا يوم اختلفنا سواء
وقال الواقدي في أخبار نفير قريش (وقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدراً - وكانت بدر موسماً من مواسم العرب في الجاهلية يجتمعون بها وفيها سوق - تسمع بنا
العرب وبمسيرنا فنقيم على بدر ثلاثاً ننحر الجزر ونطعم الطعام ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان فلن تزال العرب تهابنا أبداً) وقال الواقدي (فلما أفلت أبو سفيان بالعير ورأى أن قد أحرزها وأمن عليها أرسل إلى قريش بن امرئ القيس وكان مع أصحاب العير خرج معهم من مكة