ضفة الكلال الأخرى حقول ومزارع وبساتين ونخلها أكثر من نخل الضفة الأخرى من جهة الشرق، وقد أحاطت بالقرية البساتين من جميع جهاتها، وعلى مقربة منها (جبل حمرين) والمسافة بينه وبينها خمس ساعات للراكب، وهذا الجبل هو التخم الفاصل من هذه القطعة بين البلاد العراقية والبلاد الفارسية. وفيه حاكم مستقل عجمي ويكثر عنده النهب والسلب لأن الأشقياء فيه كثيرون وقد أصبح ملجأ لقاطعي الطرق من أعراب وأعجام.
وماء القرية ملح أجاج ثقيل جداً لأنه يجري على الصخور والجلاميد ويمر على أرض مملحة فهو شديد المرارة، وفي الصيف تقل المياه فلا تكفي القريتين: بدرة وجصان، ولا يصل إلى جسان إلا الطين والكدر، وإذا نزل المطر على تلك الأودية تحول مياهها إلى فساد في الرائحة واللون والطعم، فلا تقدر أن تتجرعها ولا تكاد تسيغها (والكلال) حينئذ يفيض ويطغي حتى يكاد يكون كدجلة في عرضه إلا أن طغيانه يفتر بعد ساعات فيرجع إلى القلة في الماء ويبقى متغيراً طعمه إلى أيام، والسبب في فساد الماء من المطر أن ما يستمده الكلال من المهامه والفيافي من الماء هو غسالة تجرف كل ملح من سباخ الأرض وكل وسخ يحيل الماء إلى غير حالته الطبيعية، وفي بدرة ينبوع ماء فرات يبعد عنها ساعة، ولو مروره على الملح لبقي فراتاً إلى منتهى جريانه، وبعض خواص القرية يشترونه بقيمة غبن.
وصف القرى الثلاث جملة
كل هذه القرى متشابهات بعضها لبعض، والبيوت هناك تبنى بالطين واللبن، وأفنية دورهم يجللونها بالطين، ولا يكاد يعرفون الآجر. والطين هناك ذو صلابة وقوة تقارب صلابة الجص، وبعض البيوت يبقى إلى مائتي سنة أو أكثر، وجسان تنفرد عن القريتين بسعة طرفها وأفنية بيوتها. أما القريتان الباقيتان فأنهما متشابهتان من جميع الجهات، وبيوت بدرة ليست موافقة للصحة أصلاً لأنها لا منافذ للرياح فيها، فهي مظلمة بالسطوح التي تغطيها، وسقوفها من الجذوع وكذلك أبواب دورهم، والبيوت مختلفة المباني متصالية السطوح والجدر. وبدرة مبنية على تل عالية قليلاً، وما فيها إلا طريق واحد عام