في بقية مواضع العراق، لأن العريق في المذهب أشد تعسفاً من الحديث به. على أنا وجدنا أعراباً شيعة يهربون من السني، ويسبونه ويلعنونه، وربما يقتلونه أن تمكنوا منه، وأبناء بدرة بعيدون عن كل تعصب وتعسف، وقد اتخذوا أكثر عادات الأعجام، فلا يقرون الضيف، ولا يدعون دعوة. وعندهم شيء من النفاق والكذب. ولا بدع فذلك عادة في ضعفاء العراقيين خاصتهم وعامتهم. وفيهم الجبن والخوف والأحجام في الأمور. وكلهم همج رعاع ألقى عليهم الجهل غمرته فهم في ظلمات من الجهل بعضها فوق بعض والشريف فيهم من ملك ضيعة من الأرض أو ضيعتين، ولم أجد فيهم عالماً ولا متعلماً إلا ما كان من حضرة السيد محمد تقي المجتهد هناك، فأني رأيت منه، دام ظله، عالماً كبيراً وبحراً غزيراً، وقد حضرت مجلسه مراراً، ودار بينه وبين أخي المفتي هناك (السيد عبد المجيد) جدال ينم
عن غزارة مادة الرجل، وكان الجدال بينهما سجالاً، كل واحد يأخذ ويعطي.
ثم أن أبناء بدرة في غاية الكسل والخمول. وكل مهنة عندهم تعد عاراً وعيباً، ومن كانت له خمسون نخلة منهم يتكل عليها طول عامه، فلا يتشبث بشيء سواها (فهل موت بعد هذا الموت يا رجال الحياة). (وهل فقر بعد هذا الفقر يا رجال الإثراء). وعاداتهم في النكاح أن يجعلوا صداق البنت نخلاً فيعطيها على حسب جمالها وشرفها (وأين منها الجمال والشرف؟) ونساؤهم لا يبارحن بيوتهن، وبعضهن يشتغلن مع أزواجهن في البساتين إن كان للزوج بستان، ولا يعلمن من الطبخ شيئاً إلا (تسخين الشاي) لأنه قوت تلك القرية، ولا يعلمن قراءة ولا كتابة ولا تدبير منزل.
النبات والشجر في بدرة
يغلب النخل على بقية الأشجار التي تنبت في تلك القرى، وقد يبلغ النخل فيها زهاء ألف إلف، وهو هناك على ما أظن أحسن من النخل في البلاد العراقية، وجذوعه غليظة جداً حتى يكاد يكون الجذع كثلاثة جذوع من جذوع نخل بغداد. وللتمر عندهم أنواع كثيرة، أشهرها (الأشرسي) الذي لا مثيل له في بغداد من جهة الحلاوة والمقدار، وهو كثير مبذول عندهم (والخستاوي) وهو نوعان: (الأزرق) وهذا القسم المعتبر عندهم، والعادي الذي هو انزل