إن الذي يؤسف له هو أن يكون من بين رجال الأمة من يدرك حقيقية ما بينته لكن ولا يجرأ على مصارحتكم به حتى اضطررت أن أصارحكم بالأمر بذاتي. ولو كانت القضية تقف عند ذلك الحد لكان الأمر هينا لكن هناك أمر في غاية الخطورة احب أن أدلكم عليه لتحذروه وتتجنبوه هو أن البعض ممن يعلمون حقيقة ما قلت يتظاهرون أمامكم بعكس ما يفقهون وذلك من اجل أن يصفق لهم الجمهور في الأزقة والشوارع وفي ذلك أثم لا يفتقر فالذي يقول لكم لا أحالف ولا أعطي شيئاً ولا أبادل لا يكون قد خانكم فحسب بل أنه خائب لنفسه وضميره ووجدانه فليتقوا الله فيما يقولون وتبصروا في الأمور. ولا خير في من يخون نفسه وفكره ورأيه. اذهبوا بين إخوانكم وانشروا علهم كلماتي هذه ولا تضلوا وتضلوا وبلغوا الشعب كافة أنني وبلادي مستقلان لا شريك لنا في مصالحنا ولا رقيب علينا بعد دخولنا عصبة الأمم إلا الله. نعم أننا لا نزال الآن من الوجهة الحقوقية بنظر الغربية تحت الانتداب الذي لم نتعرف به ولم نقرهم عليه غير أن ذلك لا يمنعنا من أن نمارس أعمالنا كدولة مستقلة تماماً ونهاية تلك الوجهة الحقوقية قريبة فما عليكم سوى الصبر والتجالد وتهيئة أنفسكم للعمل.
هل كان بالإمكان لهذه البلاد أن تسير على غير الطريق التي سلكتها وإياكم.
لقد مشت تركيا في سبيل الاستقلال على غير طريق المعاهدات وجمعية الأمم غير أنه لما نادى الغازي شعبه لخلاص بلاده لباه القوم عن بكرة أبيهم ومشوا وراءه بالنفس والمال والسلاح رجالا ونساءاً وأحداثا لذلك لم يحتج الترك في ذلك الوقت إلى أوربا فهل كان من الحكمة أن نتخذ مثل تلك الطريق بالنظر إلى ظروفنا اترك الجواب على ذلك لوجدانكم
وللتاريخ والأجيال المقبلة.
لقد تمكنا بالصبر وطويل الأناة والمثابرة والاجتهاد من أن نثبت للعالم أننا أمة هادئة تتطلب الحياة من طريق السلم والمسالمة ولم يكن هذا العمل اقل مشقة من استعمال القوة والعنف وأني مؤمن والله يشهد علي بان ما فزنا به عن هذه الطريق لهو اعظم بكثير مما كان بالإمكان أن يحل بنا فيما لو سلكنا طريقاً غيرها.
نعم في عشر سنين كنا نتقدم ونتأخر ونعطي ونأخذ نساوم ونبادل وهانحن الآن إذا دققنا الحساب نجد أننا فزنا بأشياء كثيرة وخطونا خطوات واسعة ولم يبق أمامنا إلا بضعة أشهر وننال حقوقنا الكاملة غير منقوصة. نحتاج فقط إلى استعداد كاف فينا لممارساتها والاستفادة منها وها أني أصارحكم بما في ضميري وأقول أنني بعد أن وصلت بكم إلى هذه المرحلة لا أخشى الموت إذ أموت قرير العين مطمئناً على مستقبلكم ذلك كان الباعث لمجيئي إلى هذه البلاد وقد حققت لكم أمانيكم والله شهيد على ما أقول.
إخواني: -
لا احب أن اختم كلمتي هذه قبل أن أوضح لكم موقفي تجاه سياسة الدول وإدارة شؤونها بما فيها من مصالح ومؤسسات وهيئات رسمية وغير رسمية وعلاقات داخلية وخارجية. للدول سياسة عليا تتعلق بسلامتها وسيرها إلى التقدم ولها سياسة داخلية تتعلق بإدارة مصالح الأفراد فالأولى لخطورتها ومسؤولياتها مناطة بي أشرف على توجهها إشرافا مباشراُ مستمراً والثانية لا أتدخل في أمرها بشيء إلا بقدر ما تعترض سير السياسة العليا.