للأحزاب السياسية في البلاد الديموقراطية التي أرغب لبلادي أن تسير في طرق مماثلة لها مناهج بارزة تميزها وتفرقها عن بعضها وتجعل من كل واحد منها ذاتية مستقلة عن غيرها في مناحي سياسة البلاد وكيفية أدارتها وتوزيع ضرائبها وغير ذلك من الأمور وبهذه الحال تفسح المجال للأمة أن تأخذ من وقت إلى آخر بسياسة بعضها دون الأخرى حسبما تتطلبه الظروف من سياسة ومالية وتعليمية وغيرها وهذا ما جعل الأحزاب في بلاد الغرب تتناوب الحكم وتتسابق إلى الظفر بميل الأمة والتفوق على بعضها البعض في هذه الناحية الوطنية. أما هنا فشهدت تأليف أحزاب عديدة كانت كلها متشابهة ومتماثلة في مناهجها ومراميها ولا تختلف في شيء عن بعضها إلا باختلاف أهواء من يقوم بتشكيلها. فلهذا
أصبحت الأحزاب عندنا شخصية اكثر منها عامة بخلاف ما هي الحالة عند غيرنا وبذلك صارت مهمة الأمة شاقة في انحيازها إلى الأحزاب والكتل وعضدها أو الابتعاد عنها لان إمكان لمس الفروق والمميزات بينها من الصعوبة بمكان عظيم. والأحزاب السياسية حرة تجتهد كما تشاء وتسعى لاكتساب ثقة أكبر عدد منكم ولا شأن لي في الحزبية والأحزاب فإذا قام حزب منكم يطلب فرض ضريبة على التمر مثلا وقام حزب آخر يطلب فرض الضريبة على البرتقال فالأمر لكم في تأييد من تشاءون إذ أن ذلك لا علاقة له بسياسة الدولة العليا وأني أنظر على حد سواء نظر الوالد لبنيه ولا تظنوا باني أحابي حزبا دون آخر وأنا شاعر بأمانة الوديعة المقدسة التي هي بين يدي.
قلت أن الملك مسؤول عن سياسة الدولة العليا وهو بهذا الاعتبار مع تأييده الحزب الذي يعضده الشعب من أجل اجتهاده في الأمور الداخلية عليه أن يوجه أعمال وزارته إلى ما فيه سلامة الدولة ورقيها متماديا. جرت الانتخابات قبل سنة تقريباً وكانت آراء القوم متضاربة ففريق يقول أن المعاهدة غير نافعة والشعب لا يقبلها وفريق يقول أنها نافعة والشعب يقبلها ويقرها ولم آت بهذا الفريق من الخارج فهل من عجب إذا أوليت الحكم من كان اجتهادهم يتفق واجتهادي في سياسة الدولة العليا. وهل يعد تأييدي هذا محاباة لفريق دون آخر. سياستي هي أن نبلغ الهدف عن أقصر الطرق السلمية ونلغي الانتداب المشؤوم. وهذا ما سيتم قريباً وإذا أيدت من أيد سياستي العليا وعمل على سبيل خلاصكم فلا ملام ولا عتاب. ومع ذلك فليعلم الجميع بأنني صديق الكل وأب الكل أجل الجميع ونحن كلنا خدام للوطن العزيز.
أخواني: -
بقي أمران أريد التحدث إليكم عنهما الأول وهو مركز العراق بين الأمم وثقتها به لقد سمعت أذناي أنين الأمم العريقة بالغنى والثروة من الضائقة الاقتصادية وشدة وطأتها. إن العراق له الحمد يتمتع اليوم بحالة هي أحسن بكثير من أحوال تلك الأمم وسوف ترون عن قريب عدة شركات تصل إلى العراق لتفاوضكم في أمر استثمار أموالها بينما هي لا تجرأ على الذهاب إلى ممالك أقرب إليها وأدنى ولماذا؟ في العراق ثلاث ميزات الأولى العدل في المحاكم. تعلمون أن الأجنبي لا يستثمر أمواله إلا في بلاد يسودها العدل وأشد ما يخافه ظلم