للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قليلًا للنهضة- ولو كانت في مبدئها- أربعون ألف تلميذ يتعلّمون المبادئ الأولية من لغتهم ودينهم من مجموع من الأطفال يبلغ مليونين لا يعرفون منها ولا من غيرها شيئًا.

وان قليلًا للنهضة عشرات من الملايين تنفق على العلم، بجانب مئات من الملايين تصرف في الشهوات والكماليات والمحرّمات.

دعوْنا هذه الأمّة- بعد تحقّقنا للقابلية فيها- إلى التعليم العربي الابتدائي، لأنه الخط الذي تبتدئ منه النهضات العلمية، فلبّتْ لا وانيةً ولا عاجزة، وشادت له من المدارس ما يفخر به الفاخر، ويغصّ به الشانئ الساخر، وتمكّنت منها الرغبة في هذا النوع من التعليم إلى درجة أمنَّا معها الانتكاس والرجوع إلى الوراء؛ ولكن هذا العدد من المدارس لا يتناسب مع النسبة العددية للأمّة، ولا مع طول الركود السابق للنهضة، ولا يفي بالحاجة اللازمة، ولا بدّ من مضاعفة السير لمن تأخر كثيرًا عن القافلة.

ثم خطوْنا بها خطوة ثانية ثابتة إلى الأمام، لأن التعليم الابتدائي وحده لا يكفي همًّا ولا يشفي ألمًا، وإنما هو مفتاح للعلم، وارتفاع عن الأميّة، وإنّ وراءه لدرجات إن لم يؤدّ إليها كان عقيمًا وكان عاطلًا؛ وإن للوقوف عنده والقناعة به لآفات، منها زهد الجيل في العلم، وفتور هممه فيه، وفساد تصوّره له؛ فكانت هذه الخطوة هي المعهد الباديسي.

وهذا المعهد- على عظمته، وظهور نتائجه من أول يوم- ليس إلا معهدًا تجهيزيًّا يحتضن المتخرّجين من السنة الخامسة الابتدائية، ومن ماثلهم من ذوي الجهود الخاصة، فيقوّيهم في الدينيات علمًا وعملًا، وفي القرآن حفظًا وفهمًا، ويروّض ألسنتهم على القراءة والخطابة، وأقلامهم عن الإنشاء والكتابة، وعقولهم على التفكير الصحيح، ويصوغهم صياغة أخلاقية متقاربة، ويشرف بهم على علوم الحياة من باب الرياضيات والطبيعيات، ويهيّئهم تهيئة صحيحة قوية للتعليم العالي، هذه هي حقيقته، لا نغلو في بيانها ولا نقصر، وإن أوائله في ذلك لمنبئة بأواخره.

وأقلّ ما يجب لنهضتنا التعليمية- إن كنا نريد النهوض جادّين- أن تكون لهذه المرحلة التجهيزية منها ثلاثة معاهد: بقسنطينة والجزائر وتلمسان، نجهّزها بالرجال، ونزوّدها بالمال، حتى يؤوي كل واحد منها ألف تلميذ؛ ولو تكافأت جهود جمعية العلماء في هذا السبيل، وجهود الأمّة، وتوافتْ على هدف واحد منه، لبرز هذا العمل الجليل في سنة واحدة من الزمن؛ وإنه لعمل جليل حقًّا، نراه نحن ويراه ذوو العزائم معنا قريبًا، ويراه المثبطون والعاجزون بعيدًا، وما هو ببعيد إلا عن هممهم ...

مرّت على المعهد سنتان نما فيهما وترعرع أضعاف ما كان مقدّرًا لوليد سنتين مثله، في أمّة كأمّتنا، وظرف كهذا الظرف، فما هي الأسباب في هذا النمو السريع؟

<<  <  ج: ص:  >  >>